لطفا بنا ياقناة الجزيرة/أكرم أبو عمرو

لطفا بنا ياقناة الجزيرة/أكرم أبو عمرو


كثيرة هي القوانين والأنظمة التي اختطها الإنسان لنفسه ولمجتمعه مستلهما البعض منها من تاريخه وارثه الحضاري، والبعض الآخر من الرسالات السماوية التي أمر بها الله سبحانه وتعالى، وقد حددت هذه القوانين قواعد الثواب والعقاب ، العمل والجزاء ولهذا كان التهرب والإخفاء سمة المخالفين لهذه القواعد ، من هنا كانت الأسرار التي تنشأ للأمور الحسنة والسيئة على حد سواء لهذا أمرنا الله في كتابه العزيز عندما قال: "وتعاونوا على قضاء حوائجكم بالسر والكتمان" لهذا نستطيع الفهم بان جعل بعض الأمور طي الكتمان هي نعمة من نعم الله علينا كنعمة النسيان ، لان هذه الأمور إذا ما طفت إلى السطح ربما تكون لها أبعادا كارثية للفرد والمجتمع .
ما يدفعنا لهذا القول هو اعتقادنا بان الجنس البشري قد دخل مرحلة جديدة من تاريخه، بل عصرا جديدا يمكن أن نطلق عليه العصر الويكيليكسي ، أو كشف الأسرار ، هذا العصر الذي بدأ بكشف أسرار الدول والحكومات والوزراء والساسة ، وربما لا يمضي وقت طويل حتى نستمع ونقرأ أسرار الشركات وقطاع المال والأعمال والقطاعات الاقتصادية المختلفة ، والطامة الكبرى إذا ما انتقل إلى الكشف عن أسرار الأفراد والأسر على صفحات الشبكة العنكبوتية دون الاكتراث بأبعاده ومخاطره .
مناسبة هذا القول هو ما فاجأتنا به قناة الجزيرة ، القناة التي أحببناها ورأينا فيها نافذة لسماع ما لم نكن نسمعه ، ومشاهدة ما لم نكن نشاهده ، بدأت كشعلة أضاءت الطريق أمام الجماهير العربية العريضة التي عانت كثيرا من الظلم والقهر الفكري والاجتماعي والاقتصادي وانعدام الحريات ، لقد كانت ملاذا لكل من يهفو إلى حرية الكلمة ، حرية التعبير .
لقد فاجأتنا بوثائق قيل عنها أنها سرية حول تنازلات خطيرة من الجانب الفلسطيني للجانب الإسرائيلي أثناء جلسات المفاوضات، ومن خلال متابعتنا لقناة الجزيرة أثناء احتفالاتها الدائرة الآن بنشر هذه الوثائق يتضج لنا أنها عبارة عن مجموعة من محاضر جلسات الاجتماعات، أو اقتراحات مقدمة من هذا الطرف أو ذاك، وهذا أمر طبيعي في أي مفاوضات بين أي طرفين ولا يعني تنازل أو تفريط لسبب بسيط ،هو انه لا يجرؤ أي فلسطيني عن التنازل أو التفريط بحقوقه مهما طال الزمن ، فإذا كان هناك تنازلات فلماذا توقفت المفاوضات ، ولماذا مضي نحو ثمانية عشر عاما من المفاوضات ولم يتم التوقيع على اتفاق واحد حتى الآن ، أن ممارسة الجزيرة الآن إنما يمس شانا داخليا لشعب واي شعب انه الشعب الفلسطيني الذي كتب عليه أن يعاني الأمرين ، مرارة القهر والظلم والعدوان وسلب الحقوق منذ عشرات السنين من عدو لا يرحم ، ومرارة الانقسام الذي حول صراعنا التاريخي مع الاحتلال إلى صراع داخلي لا نلمس له نهاية قريبة ، فما الهدف وراء زج الجزيرة بنفسها في هذه القضية ، ولماذا الآن بالذات، ولماذا الشعب الفلسطيني هل حرصا على مستقبله وقضيته أو نفخ النار الكامنة تحت الرماد ، ولصالح من يا ترى ، هل تخدم الجزيرة القضية العربية الإسلامية أم تقدم خدمة لأعداء الأمة التي لاتبعد قواعدهم العسكرية سوى أمتار قليلة من مبنى الجزيرة .
أننا لا نهاجم الجزيرة فهي حرة في ما تنشره وما لم تنشره، ولكن نريد منها الابتعاد عن اللعب بمصائر الشعوب إن شعبنا لا يحتمل ويكفيه ما به من مصائب الزمن ، أننا نعتقد بان الهدف من وراء نشر هذه الوثائق هو إلحاق فلسطين وشعبها بركب فوضى عارمة بدأت ملامحها في الظهور في عدد من المناطق العربية بدأت في تونس التي ما زالت مشتعلة في ثورة راح ضحيتها عشرات المواطنين الأبرياء ، ثورة حق لكن الخشية أن يراد بها باطل لأنه لم يعرف حتى الآن من هو محركها أو الأيادي التي تحركها ، وهذا يظهر من الارتباك في إدارة هذه البلاد ، وهاهي الفوضى تدق أبواب لبنان الذي عانى طويلا من الحروب وويلاتها ، ويخشى أن تصيب العدوى مصر التي نأمل من الله أن يجنبها كل مكروه، لأنها صمام الأمان للأمة ، نعم يراد لفلسطين وشعبها اللحاق بهذه الفوضى لتمهيد الطريق لتصفية مشروعنا الوطني بشكل نهائي هذا ما نخشاه ، لتتذكر الجزيرة أن شعبنا مثالا للتضحية والفداء ، أفرادا وقادة من مختلف التيارات والاتجاهات، منهم من مضى شهيدا إلى رحاب الله ومنهم من ينتظر ، يواصل المسيرة التي ستتواصل ويحمل رايتها الأجيال إلى أن يتحقق النصر إنشاء الله أو يقضي الله في أمر كان مفعولا.
إننا نأمل من قناة الجزيرة العودة إلى مهنيتها ، وان تعمل لان تكون عامل وحدة لا عامل تفرق لأننا على يقين بان هذه الزوبعة ستمضي كما مضت الزوابع من قبل واعتقد أن قضية تقرير جولدستون ليست بعيدة.


أكرم أبو عمرو
25/1/2010