فوهة للاغتيال السياسي

فوهة للاغتيال السياسي
موفق مطر
حسنا فعلت قناة الجزيرة الفضائية , ولو لم تفعل الذي فعلته لساورتنا شكوك وتساؤلات عن أسباب انكفائها واحجامها ، فالمبادرة بالهجوم على المشروع الوطني القومي التقدمي الديمقراطي الفلسطيني والعربي على حد سواء ,وتفريغ ذهن المتلقي العربي من ترسبات الفكر التحرري , واحلال مفاهيم ' مشروع التيار الاخواني ' , وتكريس التسليم بالخطاب الاعلامي دون نقاش عقلاني لدى المتلقي بالتوازي مع عملية الحجر على عقل وادراك وقدرات المتلقي القائمة والمستمرة منذ قرون عبر الخطاب المنبري في بيوت العبادة كانت وماتزال أهم اهداف هذه الوسيلة التي لايمكن ان نحسب تزامن اطلاقها مع انطلاق المشروع الوطني الفلسطيني للصدفة .
من حق وسيلة الاعلام اقتحام الصناديق المقفلة والمحروسة والحصول على المعلومة وتمتيع المتلقي بحق المعرفة ، لكن من قال أن يجوز لي وسيلة اعلام تحويل هذا الحق بعد طرقه بعمليات تزييف وتحريف , وتمريره على احواض الفائضة بالكلام المسموم ، الى خنجر بحدين يشهر بين الحين والآخر لممارسة حرفة الاغتيال السياسي ؟!.
كلنا نعلم أن قناة الCNN وزميلتها ألأميركية FOX NEWS كانتا غطاء فضائيا اعلاميا حاميا لمئات آلاف الجنود ألأميركيين الذين لم تكن مهمتهم بالنسبة الينا الا احتلال العراق ، اي مخالفة القوانين الدولية , وشرائع المجتمع الدولي ، فعملت على دعم رواية البنتاغون والقيادة السياسية ألاميركية في شرعنة الحرب على العراق واحتلاله ، ولم تستخدم قدراتها وامكانياتها المهنية وقوانين الحرية الاعلامية في الولايات المتحدة ألميركية الديمقراطية للغدر بابناء اميركا حتى ولو كانوا جنود احتلال ، أما الجزيرة الناطقة بلغة الضاد فانها قد طرقت فولاذ الراي والرأي الآخر وحولته الى رؤوس سهام مسمومة تطيرها عبر الفضاء مباشرة باتجاهات محددة لاصابة مركز وعي المتلقي بقصد اصابته بشلل بحد من قدرته على التفكر , فيندفع الى مذهب الشللية الاجتماعي او الحزبي او حتى الثقافي ، او يبقى صامتا تحت تأثير ارهاب اعلامي صادم .
لايمكننا نحن الاعلاميون منح اي وسيلة اعلامية الحصانة ، فيما هي تستخدم حضورها الجماهيري كحصان طروادة لتمرير سلاح المشروع المعادي الى مراكز قلاعنا الوطنية والقومية ، فكثافة نياشين الوطنية والقومية على صدور ورؤوس الفرسان المصفحين بلغة مركبة معقدة مدورة بمصانع الكلام يعني أن الجزيرة معنية باختراق جدر الأحاسيس ومكوناتها المادية البسيطة, وافقاده المناعة ليسقط مستسلما مريضا بفيروس التسليم ، واتباع ' دعاية الاخوان المسلمين ' المروجة كخطاب مقدس بلا نقاش ، فوسيلة الاعلام لاتصطف ولا تحشد لصالح الجبهة المعادية للعقلانية , التي هي اساس عقيدة الحرية الانساني .
اطلقت الجزيرة رصاصها على الشارع الفلسطيني ووعيه ، فتلقت الصدى عنيفا من من شمال لبنان طرابلس ، فهنا في رام بفلسطين كان ممكنا احتواء الغضب من استهتار الجزيرة بطموحات وآمال الشارع الفلسطيني ، لكن شرارات الانقسام الطائفي والمذهبي التي تطيرها في الأجواء العربية وتحديدا في قطر عربي كلبنان قد ارتدت عليها ، فمشاهد المتظاهرين بطرابلس لبنان ضد الجزيرة قد اثبت انها لم يعد بمقدورها ستر دورها المنكشف الآن ، فمن يعتقد أنه ينفرد بامتلاك ' الكشاف ' في زمن ثورة المعلوماتية ووسائط التكنولوجيا فهوكمن يحاول تحقير ذكاء الناس أوقلع ادمغتهم الحية واحلال ادمغة مستقبلة بذبذبات التسليم فقط !!.
يدرك ممولوا الجزيرة ومستخدميها أنهم قد بعثوا مشروع حملة لتصفية نواة الدولة الفلسطينية (السلطة الوطنية ) ويعلمون انهم يمارسون اغتيالا سياسيا من طراز فريد وبسلاح نوعي , وانهم شركاء مع ايران في مشروع ابتزاز على حسب ألأقطار العربية ، فبعد استتباب الوضع في العراق لصالح طهران كان لابد من ضرب منطقتين بحجر واحد لبنان وفلسطيني نظر لخصوصية العلاقة بين المشكلتين هنا وهناك ، فهنا في فلسطين انقسام يجب تعزيزه وهناك انقلاب سياسي سيؤدي الى انقسام جغرافي على اسس مذهبية ، فتتحكم طهران باهم اوراق اللعبة فتساوم على برنامجها المذهبي النووي !!.
لم يكن اليمن خارج الخارطة المشتركة للحليفين قطر وايران ، اما حركة الشارع بتونس فان بدت طهران انها ليست ذا صلة نظرا لحساسية التونسيين المذهبية ، فان المال الايراني سيكون حاضرا بقوة ، هذا ان لم نشهد تطورات مهد لها نجاد بخطاباته المتيم بسماع تعبويات دينية كل اسبوع .
طغت ملفات الوثائق المسروقة من دائرة المفاوضات على قضية الأمن القومي المصري ، فبدل التركيز على مسئولية جيش الاسلام الارهابي بغزة عن تفجير كنيسة القديسَين بالاسكندرية واعتبار ما حدث تفجيرا للأمن القومي العربي برمته ذهبت الجزيرة للتغطية على الجريمة ألأكبر بحق الأمة العربية لتلهيها بمقاطع مجتزأة بعناية من مسرحية ' كشف المستور' فخلطت عن قصد كما قال الرئيس ابو مازن ، فابرزت المفاوض الفلسطيني وكأنه قد بصم على تفوهات المفاوض الاسرائيلي ، فالجزيرة لم تذكر ان احمد قريع ابو علاء قال لليفني في موضوع مستوطني معاليه ادوميم :' اذن اخلوهم كما فعلتم في غزة ' ..فوسيلة الاعلام التي ترى وتقرأ بعين واحدة هي كمسدس الاغتيال ، انه بفوهة واحدة !