ميقاتي إلى السرايا و «المستقبل» إلى الشارع

خسرت الأكثرية أكثريتها، لمصلحة تحالف الأقلية والوسطية، بحصول الرئيس نجيب ميقاتي على 68 صوتاً، مقابل 60 نائباً للرئيس سعد الحريري، وبالتالي تكليف الأول تأليف حكومة جديدة، سيبدأ استشارات رسم معالمها بعد لقاء «تقليدي» مع الحريري اليوم

لم يمنع قطع الطرقات استكمال اليوم الثاني من الاستشارات النيابية في قصر بعبدا، ولم يحجب دخان إحراق الإطارات حقيقة انتقال الأغلبية النيابية من ضفة إلى أخرى، بعدما خسر زعيم تيار المستقبل 11 صوتاً من أغلبيته السابقة، انضموا إلى أصوات المعارضة سابقاً الـ57، مانحين الرئيس المكلف تأليف الحكومة الجديدة نجيب ميقاتي، فرصة التوجه إلى مجلس النواب متسلحاً بـ68 صوتاً.
عشرون نائباً شملتهم استشارات اليوم الثاني، منح 9 منهم أصواتهم لميقاتي هم: محمد الصفدي، أحمد كرامي، نقولا فتوش، أرتيور نظريان، آغوب بقرادونيان، أسعد حردان، مروان فارس، عاصم قانصوه وقاسم هاشم. فيما نال الحريري 11 صوتاً من كتلتي نواب القرار الحر والتوافق الأرمني، والنواب: قاسم عبد العزيز، عماد الحوت، بطرس حرب، تمام سلام، روبير غانم، دوري شمعون، وروبير فاضل.
وفيما لم تختلف مواقف اليوم الثاني عن الأول، في تبرير كل فريق سبب تسميته لهذا المرشح أو ذاك، كرر الصفدي خطوة النائب وليد جنبلاط في اليوم الأول، بإعلانه حل كتلة الوفاق الوطني التي تضمه والنائب عبد العزيز، متحدثاً عن مرحلة جديدة، فـ«ليس هناك مرشح حزب الله أو غيره، نحن في وضع سياسي في لبنان أفرز مرحلة جديدة، وهذا التغيير يحظى بموافقة سياسية من جهة، وعدم موافقة من جهة أخرى، والاستشارات هي لفرز من هي الأكثرية الموافقة على هذا التغيير ومن هو غير موافق».
تكليف ميقاتي
وفور انتهاء الاستشارات النيابية، استقبل رئيس الجمهورية ميشال سليمان رئيس مجلس النواب نبيه بري، وأطلعه رسمياً على النتيجة وتشاور معه، ليغادر بعدها بري مكتفياً بالقول: «المهم أن نعود جميعاً إلى المسلك الدستوري والقانوني». ثم استدعى سليمان ميقاتي وكلفه مهمة تأليف الحكومة، وصدر بيان التكليف عن المديرية العامة لرئاسة الجمهورية.
وبعد تكليفه، تلا ميقاتي بياناً أكد فيه تعاونه الكامل مع رئيس الجمهورية لتأليف حكومة تحفظ الوحدة والسيادة وتحقق التضامن وتحمي صيغة العيش المشترك. وأعلن أنه سيبدأ غداً استشارات التأليف مع الكتل النيابية.
ورأى أن «الخروج من الوضع الدقيق الذي نعيشه يتطلب خطوات غير تقليدية تعيد إلى المؤسسات الدستورية، ولا سيما مؤسسة مجلس الوزراء، دورها الجامع، مع الالتزام المطلق بمبدأ الفصل بين السلطات وتوازنها وتعاونها». وإذ شدد على أن مواجهة التحديات تتطلب تعاون الجميع، جدد إعلان مد يده «إلى سائر الأفرقاء للمشاركة في تحمل المسؤولية الوطنية»، مشيراً إلى أنه لا مبرر «لرفض فريق سياسي له دوره وموقعه المشاركة في ورشة الإنقاذ هذه». وأكد ان نتيجة الاستشارات «ليست انتصاراً لفريق على آخر، أو انكساراً لطرف أمام آخر، بل هي انتصار للاعتدال أمام التطرف وللوحدة أمام التشرذم وللمصالحة أمام التباعد وللمحبة أمام الحقد». وطمأن إلى أنه «لا مكان للكيدية في ممارستي لمسؤوليتي»، داعياً إلى عدم الإخلال بالأمن «فمن أراد أن يحتكم للمؤسسات لن يرضى أبداً بفوضى الشارع».
وفي أحاديث إعلامية بعد تكليفه، ظهر ميقاتي متماسكاً غير متأثر بالحملات عليه، معلناً أن تسمية حزب الله له لا تلزمه في الوقت الحاضر بأي موقف سياسي يلتزمه الحزب سوى التمسك «بحماية المقاومة الوطنية». وطالب المجتمع الدولي بعدم الحكم عليه مسبقاً. ورأى أن أحد أهم أسباب سقوط الحريري كان غياب الحوار. وقال إن وقف المحكمة لم يعد قراراً لبنانياً، لكنه أعلن أن «مسألة التعاون معها أمر آخر»، ملمحاً إلى توجه للنظر في الملف مجدداً «وندرسه لنرى ما إذا كان هناك أي مسألة خلافية فيه، وبعدها سنحلها بالحوار».
ودعا الحريري إلى إعادة النظر في رفض المشاركة في حكومته، «ولنضع أنفسنا في المركب نفسه من أجل مصلحة الجميع»، معلناً أنه إذا استمر الرفض فسيبحث في تأليف حكومة تكنوقراط بالتشاور مع رئيس الجمهورية.
ورفض اتهامه بأنه مرشح حزب الله، فـ«عندما أعلنت ترشحي، أعلن حزب الله والقوى الأخرى دعمهم لي، فهل أقول لهم لا أريد تسميتكم».
واليوم يبدأ ميقاتي نشاطه الأول كرئيس مكلف، بزيارات تقليدية لرؤساء الحكومة السابقين، تكتسب إحداها أهمية خاصة، هي زيارته للحريري، لأنه يتجه إلى منزل الأخير وهو موصوف من كتلة المستقبل بأنه «رئيس مفروض على اللبنانيين اختاره حزب الله». ولم تكتف الكتلة بذلك، بل رأت بعد اجتماعها الدوري أمس، أن نتيجة الاستشارات «لا تعبّر عن دقة الاختيار ولا الالتزام بأصوله، بل تمثّل طعنة خبيثة في قلب النظام الديموقراطي اللبناني الذي أفرغ من مضمونه، وانتهكت حرمته نتيجة العمل المبرمج لإحداث انقلاب في الموازين باللجوء إلى أسلوب التهويل والتهديد المباشر وغير المباشر الذي لم يكن آخره إرهاب أصحاب القمصان السود».
وعلم أمس أن الحريري كان قد حاول تجنب انتقال فريقه إلى ضفة الأقلية، وحفظ ماء الوجه بالسعي إلى الحصول ولو على نصف الأصوات، حيث فاوض عدداً من النواب على منحه أصواتهم مقابل مغريات شتى، ومن ذلك عرضه على الصفدي أن يصوت له ـــــ أي للحريري ـــــ للحصول على التعادل، مقابل وعد بالانسحاب له وتسميته لحكومة توافق.

ليس مرشّحنا

ورداً على الاتهامات، أعلن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، في كلمة متلفزة للمشاركين في إحياء ذكرى أربعين الإمام الحسين في بعلبك، أن ميقاتي ليس مرشح الحزب ولا المعارضة، بل «وجدنا في ترشيحه فرصة للبلد». ورأى أن الهدف من هذا الاتهام «تضليل الداخل وتحريض الخارج على لبنان، وتحديداً أميركا وإسرائيل وكل أولئك القلقين على المشروع الأميركي الإسرائيلي في منطقتنا». وشدد على أن كل محاولات التهويل على ميقاتي لن تجدي نفعاً.
وكشف نصر الله أن الاستشارات كانت معركة قوية جداً، و«أن دولاً كثيرة تدخلت»، لكنها «معركة سياسية كانت في دائرة الوضع القانوني والدستوري». وإذ أبدى تفهمه لكل المشاعر، رأى أنه «لو كان المشهد اليوم هو بالعكس والمرشح الآخر هو الذي كلف وخرج بعض الناس ليتظاهروا لكان قد بدأ التنديد من واشنطن إلى عواصم الغرب».
ودعا ميقاتي إلى «تأليف حكومة شراكة وطنية، واللبنانيون اليوم أمام فرصة حقيقية للمّ الشمل، فلا غالب ولا مغلوب»، مشيراً إلى أن رفض مشاركة الفريق الآخر بالحكومة يعني «أنكم تريدون السلطة وحدكم وأنكم حاضرون لتفعلوا أي شيء من أجل السلطة». وقال: «من لا يرد أن يشارك فليعطِ حكومة ميقاتي فرصة ولو سنة واحدة ليجربها، أما الانقضاض عليها في الشارع فهذا يعني أنه: أنا أو لا أحد».
كذلك أبدى العماد ميشال عون تفاؤله بالحكومة العتيدة، وقال للبنانيين، بعد الاجتماع الأسبوعي لتكتل التغيير والإصلاح: «في الغد القريب ستلمسون الانفراج الذي ستشعرون به من الناحية المالية والاقتصادية».
وتمنى «أن ننتهي من التحريض المذهبي»، إذ «تحملنا كثيراً، لكن لن نتحمل إلى حد أن يغرق كل البلد». ونفى أن يكون إسقاط الحكومة هدفه «المحكمة فقط»، بل «هناك تراكم أخطاء». وقال إن عمل المحكمة «سيتوقف من تلقاء نفسه».

يتدخّلون ويرفضون التدخّل

في ردود الفعل الغربية، علق الناطق باسم البيت الأبيض تومي فيتور على نتيجة الاستشارات بالقول: «قلنا مراراً إن تشكيلة الحكومة اللبنانية هي قرار لبناني، لكن هذا القرار لا ينبغي التوصل إليه عبر القسر والترهيب والتهديد بالعنف». وكررت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، تهديد بلادها بأن تأليف حكومة يهيمن عليها حزب الله سيكون له تأثير على علاقات واشنطن مع لبنان. وقالت في مؤتمر صحافي بعد محادثات مع نظيرتها الإسبانية إن الولايات المتحدة تراقب عن كثب وعناية تطورات الوضع في لبنان، لكنها أردفت «إن خلاصة الأمر التي لا تزال كما كانت هي لا بد من تحقيق العدالة وإنهاء الحصانة من الإفلات من العقاب، ونؤمن بأن يكون لبنان سيداً وإنهاء أي تدخل خارجي. وسنحكم على الحكومة من خلال أدائها». وتابعت: «إننا نتشاطر مع إسبانيا القلق العميق إزاء نفوذ قوى خارجية، ونأمل بروز حكومة تخدم الشعب اللبناني وتحافظ على استقلال لبنان وسيادته».
وأعلن المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة مارتين نيزركي، أن بان كي مون يدعو الأطراف كافة إلى «تفادي شتى أعمال العنف التي يمكن أن تتصاعد بسهولة»، متوقعاً «من أي حكومة تتألف أن تحترم الواجبات الدولية التي تعهدت بها الحكومة اللبنانية»، طبعاً مع تجديد دعمه للمحكمة الدولية «ولا ينبغي أن يتأثر عملها بأي تطورات سياسية».
وفي باريس، شدد المتحدث باسم الخارجية الفرنسية برنار فاليرو، على ضرورة أن تندرج عملية تأليف الحكومة «في إطار الدستور واتفاق الطائف، وأن تعكس الخيار المستقل والسيادي للبنانيين بمنأى عن أي تدخل وعبر الحوار». ودعا الحكومة المقبلة «إلى احترام الالتزامات الدولية التي اتخذها لبنان، وخصوصاً ما يتعلق بالمحكمة»،
كذلك دعت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون، ميقاتي إلى تأليف الحكومة «على أساس التوافق الواسع وضمن الإطار الدستوري».
عربياً، سيطر الصمت على عواصم الرياض والقاهرة ودمشق، بينما أعلنت قطر «احترام النهج الديموقراطي» الذي أدى إلى تكليف ميقاتي. وأكد بيان الخارجية القطرية الحرص «على استمرار الإخاء والحفاظ على صيغة العيش المشترك بين فئات الشعب اللبناني الشقيق واحترام خياراته الديموقراطية».