مجزرة الحرم الإبراهيمي ما زالت تلقي بظلالها الأليمة

مجزرة الحرم الإبراهيمي ما زالت تلقي بظلالها الأليمة
تطل على شعبنا غدا ذكرى مريرة، تلقي بظلالها الثقيلة، وذكرياتها الأليمة على مدينة الخليل، التي استيقظت صبيحة يوم الجمعة في الخامس والعشرين من شباط/ فبراير عام 1994، على نداءات استغاثة للتبرع بالدم للجرحى الذين أصيبوا في مجزرة الحرم الإبراهيمي الشريف.
وفي اليوم ذاته، منع جنود الاحتلال النساء من الصلاة داخل 'الإسحاقية'، وطالبوهن بالصلاة في 'الجاولية'، بغرض تقسيم المصلين إلى قسمين، كي يتمكنوا من قتل أكبر عدد ممكن من المصلين.
'كنت أصلي إماما للمصلين في الحرم الإبراهيمي الشريف، وعندما وصلت إلى آخر سورة الفاتحة، سمعت من خلفي صوتا باللغة العبرية ينادي بما معناه 'هذه آخرتهم'، لكنني تابعت صلاتي حتى آية السجدة، وهممت بالسجود، وتزامنا مع ذلك بدأ إطلاق الرصاص والقنابل'، بهذه الكلمات وصف الشيخ عادل إدريس فلاح إدريس (50 عاما) لـ'وفا' بداية المجزرة.
وأضاف، 'أثناء سجودي أصبح صوت الرصاص والانفجارات يملأ المكان، وكأننا في مواجهة عسكرية، فرفعت رأسي وبدأت في التكبير'.
وقال إدريس: إنه توجّه إلى الحرم مصطحبا معه شقيقه سليم وزوج شقيقته بدران، وقبل خروجنا من البيت والتوجه إلى الحرم، تناولنا طعام السحور، وعندما وصلنا الباب تبعت زوجة أخي سليم زوجها قائلة: 'هذه قطعة من اللحم لك، كلها قبل أن تخرج'، فقال لها سليم 'إن شاء الله سآكلها في جنان النعيم'، وذهبنا سويا إلى الحرم'.
وأضاف: 'وقعت المجزرة على يد الحاقد باروخ غولدشتاين طبيب الأطفال، الذي زعم الاحتلال فيما بعد أنه مختل عقليا، حيث استشهد 29 مصليا وأصيب العشرات'.
ويؤكد إدريس أن 'المجزرة كانت مدبرة ومخطط القيام بها في هذا الوقت بالذات'، مبرهنا ذلك بقوله: 'كنت قبل يوم من المجزرة أصلي التراويح في مسجد طارق بن زياد القريب من الحرم، وبعد انتهاء الصلاة وخروجي من المسجد التقيت المصلين الذين أتموا صلاتهم في الحرم، فرووا لي أن عددا من المستوطنين دخلوا الحرم أثناء صلاة التراويح، وتوعدوا المصلين بالقتل والاعتداء عليهم'.
وقال الحاج أبو أحمد التميمي: 'نزلت إلى صلاة الفجر، وكنت متأخرا نوعا ما، فوصلت إلى الباب الداخلي للحرم وهممت بخلع حذائي، فشاهدت مستوطنا يحضر من جهة الحضرة الإبراهيمية وهو يهرول، ويحمل رشاشا ومعه مخازن أسلحة مربوطة بشريط لاصق، زحفت ببطء ودخلت بين المصلين وتمنيت الشهادة معهم، لكنها لم تكتب لي'.
أحمد عبد الرحيم أبو اسنينة الذي استشهد والده في مجزرة الحرم، كان يبلغ من العمر 10 أعوام في حينه، قال: 'إن استشهاد والده كان صاعقة نزلت على عائلته المكونة من 9 أفراد، أكبرهم في بداية العشرينيات من العمر'.
وأضاف: 'لم أعِ ما حصل في نفس اليوم إذ كنت حينها صغيرا، ومع مرور الأيام العشرة الأولى، شعرت بالضياع محدثا نفسي.. 'أين أبي الذي كان يصطحبني وأخي يوميا بيديه إلى صلاة الفجر؟'.
وأضاف أبو اسنينة، 'كان أبي يصلي الفجر دائما في مسجد السنية قرب الحرم وبمحاذاة دكانه، فكان يبدأ عمله بعد صلاة الفجر حتى ما بعد منتصف النهار، لكن يوم المجزرة لم يشأ والدي أن يصطحبني وأخي للصلاة معه، قائلا لنا: اليوم سوف أذهب للصلاة في الحرم لأسجد معهم (المصلين) سجود سورة 'السجدة'، وبذلك استشهد أبي وكانت سجدته الأخيرة'.
'لم تقف عجلة حياتي هنا، فمآذن المساجد التي نادت في صبيحة ذاك اليوم 'الله أكبر الله أكبر'، والسيارات العسكرية المجنونة التي أعلنت منع التجول في الخليل، والجماهير التي تسابقت من أجل التبرع بدمائها للجرحى، والحالة التي دقت ناقوس الخطر في المدينة التي عبقت فيها ريح المسك من دماء شهدائها، زادتني منعة وقوّة لأبقى صامدا ومرابطا على ثرى هذا الوطن الجريح'. قال ابن الشهيد الذي حرمه الإرهابي غولدشتاين من حنان والده.