<اللـواء> تفتح ملف الحقوق الفلسطينية في لبنان تحصيناً لمواجهة التوطين في انتظار العودة (36) <تجمّع الشبريحا>·· يتوزعه لاجئون فلسطينيون ومواطنون لبنانيون استعادوا جنسيتهم

منوع ترميم المساكن وبعضها مسقوف بألواح <الزينكو> والنايلون وإطارات السيارات
قبل 62 عاماً احتل العدو الإسرائيلي فلسطين، وطرد وهجّر أهلها الحقيقيين في منتصف العام 1948، حيث لجأ قسم منهم قسراً إلى لبنان وعلى عدة دفعات· وتفاوتت طريقة تعاطي الدولة اللبنانية ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين <الأونروا> بين من يُعترف بهم من لاجئين نزحوا في العام 1948 وصولاً إلى العام 1958، ومن نزح بعد إحتلال قطاع غزة في العام 1967، وكذلك من عُرف بفاقدي الأوراق الثبوتية··

يتوزع الفلسطينيون في لبنان على مخيمات تسلمت <الأونروا> الإشراف عليها بعد إنشائها منتصف العام 1949، فبقي منها 12 مخيماً ودمرت 3 مخيمات، ووجدت تجمعات سكانية جديدة، مع عدم وجود إحصاء دقيق عن العدد الحقيقي، وإن كانت إحصاءات <الأونروا> تُشير إلى حوالى 450 ألف نسمة، بعضهم حصل على الجنسية اللبنانية أو جنسيات أجنبية وعلى عدة مراحل، والبعض الآخر لا يحمل أوراقاً ثبوتية أو هاجر إلى خارج لبنان··

الفلسطينيون في لبنان واقعون بين مطرقة مقولة ومشاريع التوطين المتعددة النغمات، وبين آمال العودة غير البادية في الأفق، ويُعانون واقعاً معيشياً وإجتماعياً صعباً مع استمرار حرمانهم من الحقوق الإنسانية والإجتماعية والمدنية والسياسية في لبنان، ولم يعد لهم حق تملك شقة، الذي كان معمولاً به إلى ما قبل 10 سنوات، فضلاً عن الواقع الصحي والتعليمي المتردي، وتقليص <الأونروا> لخدماتها، وإكتظاظ ما يُسمى بمساكن بأهلها، وأيضاً في ظل إصرار البعض على التعاطي مع الملف الفلسطيني من الزاوية الأمنية، ووصف المخيمات بـ <الجزر الأمنية>··

<تجمّع الشبريحا>، أحد التجمعات الفلسطينية المتواجدة على الشريط الساحلي إلى شمالي مدينة صور، يُعاني كباقي التجمعات الفلسطينية في لبنان من عدم اعتراف <الأونروا> به، والتي لا تقدم له إلا ما ندر من خدمات تربوية وطبية· على الرغم من أن اللاجئين الفلسطينيين وصلوا إليه منذ العام (1952)، وأقاموا على أرض تعتبر مشاعاً تتبع إلى بلدة العباسية - قضاء صور، بعدما جرى نقلهم من البلدات اللبنانية التي أقاموا فيها بعد نكبة فلسطين في العام 1948··

ينقسم <تجمع الشبريحا> إلى قسمين:

- القسم الشمالي: ويُقيم فيه اللاجئون الفلسطينيون من غير المجنسين وهم من بلدات الخالصة والحولة، ويبلغ تعدادهم حوالى 1200 نسمة·

- القسم الجنوبي: يقطن فيه أبناء القرى السبع الذين استعادوا جنسيتهم اللبنانية في العام 1994 ويقترعون في مدينة صور أو البرغلية، وهؤلاء تتوزع أراضيهم بين أرض مشاع عائدة للدولة اللبنانية، وأراضي مملوكة اشتراها الإمام السيد موسى الصدر والأهالي الذين شيّدوا عليها منازلهم··

<اللـواء> تخصص الحلقة السادسة والثلاثين عن واقع الملف الفلسطيني في لبنان لعرض واقع <تجمّع الشبريحا>···

لدى الوصول إلى <تجمع الشبريحا> - شمالي مدينة صور، يُمكن للوافد أن يتعرف مباشرة إلى القسمين اللذين يتوزع عليهم التجمع، فإلى اليمين تُشاهد مبانٍ تتألف من عدة طوابق، بينما يساراً تُشاهد مساكن تتألف من طابق أو طابقين في أحسن حال، وفي منطقة مشرفة عليها، تُشاهد المباني المرتفعة، التي تقع على أرض مفرزة يملكها عدد من الأشخاص·

المختار عون قبل أن ندخل إلى التجمع، ننعطف يميناً بإتجاه منزل مختار بلدة الشبريحا رضا عون، الذي يقع وسط التجمع، حيث يعج بالحركة بين الوافدين من أجل الحصول على مستندات مطلوبة وموقّعة من المختار، الذي لا يفرّق في تعاطيه ومعاملته بين مواطن وآخر، سواءً في القسم اللبناني أو الذي يقيم فيه اللاجئون الفسطينيون·

وأشار المختار عون إلى <أن أهالي التجمع السكني في الجانب الجنوبي في مشاع بلدة العباسية في منتصف الخمسينات، ونحن جميعاً من أبناء القرى السبع، وقد استعدنا الجنسية اللبنانية في العام 1994، بينما أخوتنا الذين أقاموا في المنطقة الشمالية هم من الخالصة والحولة ولم يحصلوا على هذه الجنسية>·

واستطرد بالقول: إن ذلك لم يؤثر على علاقتنا الأخوية التي بقيت ممتازة، حيث لا يفرقنا عنهم أي شي، علماً بأن أهلنا المقيمون في التجمع الشمالي يعيشون مأساة إجتماعية وإقتصادية وبيئية، بفضل تجاهل وكالة <الأونروا> لتقديماتها، بإستثناء مركز طبي صغير يفتتح أبوابه يوماً واحداً في الأسبوع ومدرسة إبتدائية، وهناك عائلات كثيرة في تلك المنطقة وضعها مأساوي، لأنهم يعملون كعمال مياومين في الزراعة، فيما تقوم <منظمة التحرير الفلسطينية> بتأمين المازوت لمولد خزان الماء، وصيانة شبكة مياه البئر الأرتوازي، الذي حفرته وشيدته قبل الإجتياح الإسرائيلي في العام 1982·

وأضاف: تحاول بعض الجمعيات التخفيف من وطأة المعاناة، وخصوصاً على صعيد البنية التحتية وإجراء تحسينات على الطرقات وجمع النفايات· وقد قدّمت <الجمعية الشعبية للأغاثة والتنمية>، وهي جمعية أوروبية العديد من الخدمات للمخيم، ومنها تخصيص سيارتين لنقل النفايات للتجمعات الفلسطينية على الشريط الساحلي، حيث كانت سابقاً تنشر مكبات النفايات بين المساكن وقد حل جزء من هذه المعاناة منذ 15 عاماً، كما قدمت هذه الجمعية خلال العدوان الإسرائيلي في تموز من العام 2006 عدة خدمات ومعونات، فضلاً عن مستوصف إسعافات أولية، ومستوصف نسائي يغطي كافة التجمعات، وتقيم هنا وسط التجمع الجنوبي مركزاً يتم فيه تقديم الخدمات الطبية لمدة يومين في الأسبوع وبرسم رمزي· كما أن الكتيبة الكورية قدمت بعض الأشغال وبعض الطرق الداخلية بقيمة حوالى 35 ألف دولار أميركي وملعب شتوي لـ <روضة الشاطئ>، التابعة لـ <الأتحاد العام للمرأة الفلسطينية> والتي تضم أطفالاً من الشبريحا (التجمع والمجنسين وبلغت تكلفة المشروع حوالى 40 ألف دولار أميركي)·

وأوضح <أن عدد السكان في <تجمع الشبريحا> عندما أنشىء في منتصف الخمسينات كان أكبر من العدد الحالي، حيث تراجع العدد نتيجة الهجرة· فيبلغ عدد المقيمين في التجمع حوالى 2500 نسمة، وقبل العام 1994 لم يكن عدد المجنسين 1000 نسمة، حيث استعاد كافة أبناء <تجمع الشبريحا> الجنسية اللبنانية، وهم اليوم يستفيدون من بعض الخدمات الطبية والتعليمية، التي تقدمها وكالة <الأونروا>، ولكن هناك عدداً قليلاً من الذين وردت أسماؤهم عالقة وموجودة على لوائح الجنسية، لكن لم يحصلوا عليها بشكل كامل>·

وختم المختار عون بالقول: إذا كان التجمع يعتبر قرية، فهو <مهمش>، وإذا كان تجمعاً فهو <مهمَّش> أيضاً، فالدولة اللبنانية لا تقوم بأي دور إجتماعي أو تنموي أو خدماتي، وكذلك <الأونروا>، فقط الكتيبة الكورية هي التي قدمت لنا مشاريع زادت قيمتها عن 500 ألف دولار أميركي·

نغادر التجمع الجنوبي بإتجاه الشمالي، حيث يُقيم اللاجئون الفلسطينيون، فنسير فوق شبه طرق أو طرق بدائية، بعضها ما زالت الصخور التي تم تحطيمها ظاهرة، وسط الصبار، الذي كان يشكل الأحراج في تلك المنطقة، قبل أن يستصلحها اللاجئون الفلسطينيون ويقيموا مساكن لهم من <الزينكو> كجدران وسقوف، وتمكنوا خلال فترة الحرب والأحداث من تحويل جدران <الزينكو> إلى جدران من الباطون، ولكن مع المحافظة على سقف <الزينكو>، بينما استفاد البعض لاحقاً من تغيير السقف إلى الباطون·

في التجمع، هناك مدرسة شيّدتها <الأونروا> وما زالت إبتدائية تستوعب 290 طالباً، حيث يضطر الطلاب التوجه إلى مدارس مخيم البص لأستكمال تحصيلهم العلمي التكميلي والثانوي، وهناك <روضة الشاطئ> التابعة لـ <الإتحاد العام للمرأة الفلسطينية> وتضم حوالى 80 طالبة من التجمع بشقيه·

معجل أمين سر <اللجنة الشعبية الفلسطينية> في <تجمع الشبريحا> محمد حسين معجل (من بلدة النويري ? قضاء صفد)، أشار إلى <أن عدد سكان <تجمع الشبريحا> يبلغ حوالى 240 عائلة - أي ما يعادل 1200 نسمة، وقد غادر التجمع عدد موازٍ إلى خارج لبنان - أي 1200 نسمة، جراء الأحداث الأمنية والحروب الأهلية بحثاً عن ملجأ آمن أو فرص عمل>·

وقال: هناك عدد قليل من العائلات التي استعادت جنسيتها من أبناء القرى السبع وغالبيتهم من بلدة صلحا، الذين أقاموا لدى وصولهم إلى التجمع على قطعة أرض اشتراها الإمام السيد موسى الصدر وأشادوا عليها بيوتهم·

واستطرد بالقول: لقد انعكست استعادة إخوتنا في القرى السبع الجنسية اللبنانية بالفائدة علينا، فقوات <اليونيفل> لا تقدم أية خدمات في المخيمات والتجمعات الفلسطينية، ونحن استفدنا من خدمات <اليونيفل> عن طريق مختار الشبريحا رضا عون، الذي قام بالتدخل لتزفيت الطريق عن طريق <مؤسسة كوي> النرويجية، لتسهيل الكثير من الأمور لنا في التجمع عبر تذليل العقبات التي اعترضت طريق استكمال ترميم البنية التحتية·

ولفت إلى <أن اللجنة الشعبية في <تجمع الشبريحا> تتمثل فيه كافة الفصائل والقوى الفلسطينية المتواجدة في التجمع، وهي تحاول جاهدة تأمين ما تستطيع وفق إمكانياتها المتواضعة>·

وأضاف: إن وكالة <الأونروا> لا تقدم لنا أي نوعا من الخدمات كتلك التي تقدمها في المخيمات، وعلى الرغم من ذلك هناك تململ في المخيمات لأن <الأونروا> تمارس سياسة تقليص خدماتها·

وأشار أمين سر <اللجنة الشعبية> في التجمع معجّل إلى أنه <إن جلت في التجمع، فإنك تجد الطرقات محفرة ولم ترَ <التزفت> منذ أيام <منظمة التحرير الفلسطينية> التي قامت بتزفيتها منذ فترة طويلة، علماً بأنها هي التي قامت بحفر بئر المياه الذي قامت مؤخراً <جمعية المساعدات الشعبية النرويجية> بإصلاحه>·

وأوضح <أن أهالي <تجمع الشبريحا> يسدِّدون ما عليهم من مستحقات من إشتراكات المياه والكهرباء إلى الدولة اللبنانية، أما جمع النفايات فنقوم به على نفقتنا الخاصة، حيث يُجمع مبلغ شهري لعامل النظافة>·

واشتكى من <عدم السماح بترميم المساكن، فمن أصل 80 مسكناً سمح للأوروبيين بترميم 20 مسكناً فقط، والآن يوجد 60 مسكناً بحاجة إلى ترميم>·

وأخذ على وكالة <الأونروا> عدم تقديمها للخدمات، فعيادة <الأونروا> في المخيم تفتح يوماً واحداً في الأسبوع، هو يوم الجمعة، والمدرسة هي للمرحلة الإبتدائية وتضم 290 طالباً، ويضطر الطلاب من أجل استكمال تحصيلهم العلمي الإنتقال إلى مدارس <الأونروا> في البص·

وأضاف: نحن كلاجئين فلسطينيين لنا حق على <منظمة التحرير الفلسطينية> ووكالة <الأونروا> والدولة اللبنانية، نحن مظلومون من جميع هذه الأطراف، فهناك عدة مهن وخصوصاً المهن الحرة ممنوعة على الفلسطينيين العمل فيها·

تابع: أما <منظمة التحرير الفلسطينية>، فنحن الجسر الذي عبرت منه المنظمة إلى فلسطين، واليوم نُعاني تقصيراً تجاهنا، وللمناسبة نناشد الرئيس محمود عباس <أبو مازن> بأن ينظر إلى الفلسطينيين في لبنان بعين الأبوة والإهتمام، وخصوصاً التجمعات الفلسطينية الموجودة على الساحل·

وأكد <أن شعبنا الفلسطيني بكافة فئاته يرفض التوطين والتهجير، ومتمسك بحق العودة إلى أرض فلسطين أرض الآباء والأجداد، ولكن إلى حين تحقيق ذلك ولا بد وأن نعامل كبشر وتُعطى الحقوق المدنية والاجتماعية والإقتصادية والمعيشية، وحق التملك، والسماح لنا بترميم منازلنا· ونعد إخوتنا اللبنانيين أنه لدى العودة إلى فلسطين، سنترك المساكن التي أشدناها كما هي، ونعود إلى وطننا فلسطين، فهي أغلى بقاع الأرض بالنسبة لنا>·

وطالب معجل الفصائل الفلسطينية بالإلتفات إلى <تحسين أوضاع وخدمات اللاجئين الفلسطينيين، خصوصاً في مجال الطبابة، فمرضانا لا يجدون من يعينهم، ويموتون على أبواب المستشفيات، إذ يشترط لدخولهم أن يدفعوا تأميناً يصل إلى 2000 دولار أميركي، ولهذا يجب ضرورة تحسين المستشفيات والمراكز الطبية التابعة لـ <منظمة التحرير الفلسطينية>، والضغط على وكالة <الأونروا> لتحسين خدماتها الطبية>·

ملحم الحاجة زهرة ملحم (مواليد العام 1944 من بلدة جب يوسف - قضاء صفد) قالت: عندما خرجنا من فلسطين كنت صغيرة، وسكنْا في القليلة في خيمة (بيت شعر) وانتقلنا إلى <تجمع الشبريحا> الذي نقيم فيه الآن·

وأضافت: إن <الأونروا> قلصت خدماتها كثيراً وأنا أم لستة أولاد أستفيد من حالات العسر الشديد (الشؤون) وعيادة <الأونروا> تفتح يوم واحد فقط في الأسبوع، وإذا مرضنا نتوجه للعلاج خارج المخيم، كما أن مدرسة <الأونروا> قديمة جداً·

وأبدت ملحم إستيائها وهي تشير <إلى منزلها الذي لحقه الضرر خلال العدوان الإسرائيلي في تموز من العام 2006 بالقول: لا نستطيع ترميم مسكن، وكذلك المساكن التي تضررت منذ فترة طويلة، فسقفها من ألواح <الزينكو> الذي تدلف علينا في الشتاء، ونحتاج إلى وضع النايلون فوقها، وكذلك وضع الدواليب والأحجار حتى لا تطير في الشتاء>·