د. أحمد يوسف / تقديم: لاشك بأن الخروج للشارع للاحتجاج من أجل إنهاء الانقسام هو هدف نبيل ليس فيه أي إساءة لأحد، بل هو – إذا جدَّ الجدُّ – عامل معجل (Catalyst) للفت نظر أصحاب القرار إلى أهمية الإسراع بتحقيق المصالحة، وهي مسألة تدرك حماس أهميتها حيث قالت إنها 'فريضة شرعية وضرورة وطنية'، أما حركة فتح فقد بادرت من جهتها بتوقيع الورقة المصرية لإنهاء الانقسام، والفصائل الفلسطينية جميعها أصدرت بيانات تندد بالانقسام وتحذر من عواقبه، وقدمت مساعي للجمع بين طرفي الخلاف (فتح وحماس).
لم تتبق جهة فلسطينية على مستوى الأحزاب والفصائل والشخصيات المستقلة ومؤسسات المجتمع المدني، إلا ودخلت على خط إصلاح ذات البين بين الأخوة في حركتي فتح وحماس.
وسطاء في الساحة الإقليمية بذلوا مساعٍ حميدة؛ الجامعة العربية، منظمة المؤتمر الإسلامي، حتى اليمن وساحل العاج وتركيا حاولت تقديم مبادرات ولكن – للأسف - لم يحالف الحظُّ أحداً منهم.
كما أن بعض الدول الأوروبية كسويسرا والنرويج أبدت جدّية لمساعدة الفلسطينيين في الخروج من أزمة الانقسام، باعتبار أن أي حراك لحل القضية الفلسطينية أو استمرار جهود السلام لن يكون مجدياً طالما أن الفلسطينيين منقسمين على أنفسهم.. الرئيس كارتر بصفته الشخصية والاعتبارية عرض التوسط لحل ما تبقى من خلافات خارج ما تمّ التراضي عليه في الورقة المصرية، وكذلك لجنة الكبار (The Elders)، ولكن كل هذه الجهود تبددت، وذهبت – بعجرها وبجرها - أدراج الرياح.
لم يبق أحدُ في هذا الكون إلا وأدرك خطورة انقسام الساحة الفلسطينية، وأن الفرصة لقيام دولة فلسطينية حرة ومستقلة لن تتحقق مع غياب المصالحة، وأن الإمكانية الوحيدة المتاحة لخلق ظروف سياسية أفضل ستتأتى مع وجود قيادة فلسطينية موحدة تحت سلطة عليها إجماع وطني.
مبادرة الشباب: جهد يستحق الاحترام
لاشك أن الشباب الفلسطيني يعي كل هذه التداعيات المأساوية لحالة الانقسام، ويشهد بأمِّ عينه كيف تستغل دولة الاحتلال كل هذه الثغرات وحالة الانشطار والتشظي داخل الساحة الفلسطينية لتكريس واقعها الاستيطاني في الضفة الغربية، باعتبار أن هذا التوسع الأفقي في المستوطنات سيقضي على فكرة قيام دولة فلسطينية على الأرض التي تمّ احتلالها عام 1967، كما أن التسليم بما هو قائم من حقائق استيطانية على الأرض لن يؤهل الحالة الفلسطينية في الضفة الغربية أن تكون أكثر من كيانية فصل عنصري (Apartheid) قائمة على مجموعة من المدن الفلسطينية شبيهة بوضعية 'البانتوستانات' التي كانت عليها جنوب أفريقيا قبل عقدين من الزمان.
إن هذا الواقع الحزين هو الذي يحرك هؤلاء الشباب، والذي كان الكثير منهم قبل عقدين هم 'أطفال الحجارة' الذين قادوا انتفاضة ديسمبر 87 ثم انتفاضة الأقصى عام 2000.
في الحقيقة، أن غياب أفق الحل السياسي ومأسسة واقع الانقسام هي العامل المحرك وراء دعوة الشباب لوقفة احتجاجية يشارك فيها جميع أبناء الشعب الفلسطيني.. لقد تحرك شباب حماس الجمعة الماضية وسجلوا سبقاً في هذا المجال حيث طالبوا بإنهاء الانقسام والحفاظ على الثوابت، واليوم يجري الإعداد لحراكٍ أوسع سيشارك فيه الجميع من شباب فلسطين. إن الهدف الآني لمثل هذا الحراك هو الدعوة لإنهاء الانقسام، ولكنَّ جوهره في أبعاده الإستراتيجية هو – بلا شك- إسماع العالم والمجتمع الدولي أصواتهم المطالبة برفع الحصار عن قطاع غزة وإنهاء الاحتلال، والتذكير بالحقوق والثوابت الوطنية، وعلى رأسها حق عودة اللاجئين الفلسطينيين في الوطن والشتات إلى أرضهم وديارهم كما جاء في القرار الأممي 194.
من هنا، علينا ألا نخشى من هبّة هؤلاء الشباب، وألا نبالغ في التوجس منها.. صحيح أن هناك حالة استقطاب داخل الشارع الفلسطيني ربما يحاول بعض المندسين استغلالها لتخريب هذا الهدف النبيل، وتشويه مشهد الوعي والتضامن الذي يمثله هؤلاء الشباب.. لكن يبقى أن يتعهد الجميع باستعداده لحماية هذا المشهد الحضاري ألا ينحرف عن مساره وهدفه النبيل، وأن يلتزم كل من شارك بالمضي قُدماً باتجاه توسيع قنوات الضغط والحوار مع جهات صنع القرار في الضفة الغربية وقطاع غزة.
لقد كان الشباب الفلسطيني دائماً عنواناً يحظى بالقداسة والاحترام، واسهم في صناعة صورتنا المشرقة داخل ساحتنا العربية والإسلامية، وحتى بين أبناء جالياتنا المسلمة في الدول الغربية.
إن أي عملية تحرك يجب عدم النظر إليها بتوجس، وعلينا أن نفهم أن جيل الشباب لديه كلمة طيبة ورسالة بنكهة الوطن يتوجب أن تصل إلى أسماع كافة المسئولين، وهي أن الانقسام مهما كانت الذرائع مرفوض، ويجب معاودة الاحتكام إلى صناديق الاقتراع، فالانتخابات هي الحل مع وجود ضمانات بالعمل – معاً - على بناء شراكة سياسية، وإصلاح مؤسساتنا الوطنية حتى يستعيد الوطن عافيته وشبابه.
اليوم ينتظر شعبنا - بتلهفٍ وأمل - المبادرة التي تحدث عنها الأخ خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس قبل عدة أيام، وبشّر البعض بأنها ستكون 'الوصفة الناجعة' لإنهاء الانقسام، وهناك أيضاً مجموعة الأفكار التي طرحها الدكتور سلام فياض واعتبرها الكثير من المحللين أنها تمثل مدخلاً للخروج من نفق الأزمة، كما أن اللهجة الحميمية التي تحدث بها الدكتور نبيل شعت بالقول: 'إننا موافقون على كل ملاحظات حماس'، تطلق إشارات قوية بأن الطريق أصبح مهيئاً للمرور عليه.. إن هذه الأجواء تمنحنا بعض الوقت للتفاؤل والانتظار، أما إذا لم يتم التعاطي الإيجابي معه هذه المبادرات المطروحة للمصالحة، فإن الشارع – حينئذ - سيكون معذوراً للتدخل، باعتبار أنه صاحب الكلمة الفصل لتصحيح الوضع وإنهاء الانقسام.
الشباب: مشهد النداءات والشارع
اعتاد شعبنا أن يقدم مشهداً يتلقفه الجميع بالتقدير والتفاعل والاحترام، هكذا كنا وعلى هذا سنكون دوماً، فنحن شعب أرض الأنبياء وأصحاب القضية الأقدس، التي تسكن بجدارةٍ وإيمان في وجدان أمتنا العربية والإسلامية.
أتمنى أن تشهد الأيام والأسابيع القادمة انفراجاً في العلاقة مع إخواننا في الضفة الغربية، وأن نرى ثمرة للجهود المخلصة التي بذلها البعض وعكست حرصاً وغيرة حقيقية على مستقبل هذا الوطن.
لاشك بأن ما تقدم به الدكتور سلام فياض كان إيجابياً، وما تحدث عنه د. نبيل شعت حول المصالحة وإنهاء الانقسام كان لغة تجمع ولا تفرق، وما تحمله حماس من رغبات لوضع حدٍّ لحالة الانقسام، وسعيها لتوطينه داخل ذهنية الجميع هو توجه مشكورة عليه، وليس غريباً عنها لأن أبعاد رؤيتها الوطنية والإسلامية هي مع تحرير الأرض الفلسطينية وربطها بعمقها العربي والإسلامي.
إن هناك مجموعة من المطالب يتوجب على جيل الشباب حملها في كل فعالية يتم القيام بها من أجل الوطن، وهي لن تخرج بحال عن النقاط العشر التالية:
1) رفض التنسيق الأمني مع الاحتلال، وتحجيم دور الأجهزة الأمنية في الحياة العامة.
2) الإفراج الفوري عن المعتقلين السياسيين.
3) عدم اللجوء للإعلام لتصفية الحسابات السياسية، والتركيز على معاناة شعبنا بسبب الحصار والاحتلال.
4) اعتماد مبدأ الشراكة السياسية والتداول السلمي للسلطة في أي حكومة قادمة.
5) السماح بإحياء المناسبات الوطنية والدينية للجميع.
6) إعادة فتح المقرات والمؤسسات التابعة لكافة فصائل العمل الوطني والإسلامي.
7) إفساح المجال لعودة الكوادر الطبية والتعليمية إلى وظائفها الحكومية، وكذلك العلماء والأئمة الذين أُبعدوا - قسراً - عن مساجدهم وجمعياتهم الإسلامية.
التركيز على إبراز العلم الفلسطيني كرمز للوحدة وتقليص ظاهرة الأعلام الفصائلية التي تعكس حالة التشرذم والحزبية.
9) تعزيز سلطة القضاء واحترام القانون.
10) حرية إنشاء الجمعيات والمؤسسات ذات الأبعاد الإنسانية والإغاثية والاجتماعية.
وختاماً.. لا مراوحة في المكان
إن ما ننتظره في قادم أيامنا هو حراك يعكس عظم الشعور بالمسؤولية لكل فصائلنا وأحزابنا السياسية بهوياتها الوطنية والإسلامية، والتقدم برؤية ينتهي معها الانقسام وتتحقق المصالحة.
إن شعبنا لن يقبل أية أعذار وتبريرات لرفض ما تمّ تداوله عبر وسائل الإعلام من كلمات ومبادرات لإنهاء الأزمة، وفتح الطريق أمام استعادة الوطن لشطريه المتباعدين.
اليوم، شباب فلسطين عقدوا عزمهم بالعمل على إنهاء الانقسام، ولملمة ما تشظى من الوطن، وعلى من يمسكون بدفة السفينة إرسال إشارات مطمئنة لهؤلاء الشباب بأننا سنصل – قريباً - للشاطئ بأمان، وإلا فإن للشارع رياحه وأدواته التي لم ينجح أحدٌّ في وقفها أو التصدي لها.
نحن نعيش في زمنٍ عاد فيه للشارع مكانته وسطوته.. نسأل الله أن يحفظ لهذا الوطن وحدته، ولشبابه عافيته وهمته، وأملنا أن يسمع ولاة الأمر همس الشباب وزفرات صدورهم، لأن 'القول قبل الفعل يُجدي'.