صمود الزاوية الحجر الأساس حتى لا تنزلق ليبيا الى حرب أهلية قيادي في «المجلس الانتقالي» لـ«السفير»: الزحف على طرابلس غير واقعي

رأس إجدير ـ الحدود التونسية الليبية :
«على مجلس الأمن أن ينقذ الثورة في ليبيا، ويقر إنشاء مناطق لحظر الطيران». المسؤول في المجلس الانتقالي، الذي يتحدث لـ«السفير» عبر الهاتف من مدينة البيضاء المحررة، لا يفصح إلا عن مخاوفه الجوية على مصير الثورة، وليس عن اسمه، كعشرين آخرين من أعضاء المجلس «بسبب الأهل والأقرباء في المنطقة الغربية وطرابلس، وخشية أن ينتقم القذافي منهم».
ويبدي الثوار في المدن شكوكاً كبيرة بانزلاق ليبيا إلى حرب أهلية، لعدم تحقق سيطرة مناطقية واضحة للرئيس معمر القذافي «لأن الغرب الليبي، لا يخضع كلياً للقذافي، فالزاوية لا تزال شوكة في خاصرة طرابلس، ولا تزال تقاوم، كما أن مصراتة استطاعت صد هجومين متتاليين للكتائب الأمنية ودبابات الجيش في الساعات الأخيرة، وتمنع أي اتصال على الساحل بين قوات القذافي ومعقله التاريخي في سرت وطرابلس».
وتبدو الحرب الأهلية معلقة على رهانات دولية تمتد من حظر مجلس الأمن الدولي طلعات طيران القذافي، إلى قيام حلف شمال الأطلسي (الناتو) بضرب معقل القذافي وحصنه في باب العزيزية، وصولاً إلى تسليح الثوار بأعتدة وأسلحة متقدمة «لتشتيت الكتائب الأمنية التي لن تقوى على مواجهة من هذا النوع»، بحسب احد المقربين من المجلس الانتقالي الليبي في بنغازي. ويملك الطرفان عناصر كافية لدخول حرب طويلة، بسيطرة الشرق على مصافي البريقة ورأس لانوف، واحتمال اللجوء إلى بيعها في السوق السوداء ـ لتمويل المجلس الانتقالي، إذا ما تعثرت عمليات وضع أموال النفط في حسابات مجمدة يديرها مجلس الأمن، لمنع القذافي من الحصول عليها.
ولكن الآمال تعلق أيضا، لتفادي الانزلاق إلى حرب أهلية، أن يستمر الثوار في الزاوية، المدينة الأكبر في الغرب الليبي بعد طرابلس، في مقاومة الكتائب الأمنية.
ولم تخيب الزاوية حتى الآن تطلعات المراهنين على صمودها، مانعة تحقيق امتداد عسكري وغلبة للقذافي في عقر داره، حيث تؤلف مع غريان ونالوت جيوب الثورة الأساسية في الغرب الليبي «وحصانة الثورة من التحول إلى مواجهة بين بنغازي وطرابلس، وارتسام خط تماس للحرب الأهلية على مشارف سرت، معقل القذاذفة وحلفائهم من أولاد سليمان، اكبر قبائل ليبيا، وربما خط التقسيم ما بين الولايتين المتصارعتين برقة البنغازية، وطرابلس الغرب»، بحسب مسؤول انتقالي.
ورغم صعوبة الاتصال بالمقاتلين في المدينة، قال أحدهم في اتصال هاتفي مع «السفير» إن الكتائب الأمنية، وبعض الوحدات التي يقودها اللواء المهدي العربي، والخويلدي الحميدي، شنت هجوما عند الفجر من مداخلها الشرقية والغربية، بعد أن قامت بقطع الكهرباء عن المدينة، ونشر القناصة على مبانيها العالية. ووصلت الدبابات إلى شارعي عبد الناصر وعمر المختار. واستشهد خلال المعارك حسين قنديل احد قادة الثوار، الذين اختاروا التراجع أمام القصف، وجر الدبابات إلى كمين في ميدان التحرير، احرق 3 دبابات، وسد الطريق على الرتل الذي كان يتبعها.
«تعالوا معنا إلى ليبيا لتشهدوا بأعينكم أن زلطن وزاروة والعجيلات، وصبراطة وصرمان هادئة». عبثاً حاول طاهر الفيلالي، احد مسؤولي اللجان الشعبية في زلطن تنظيم جولة للصحافيين في رأس إجدير، بعد أن رفضت السلطات التونسية في المعبر تسهيل مرورهم. لم يشمل العرض الزاوية. بأي حال، ذلك أن المدينة، التي توالى اعتقال الصحافيين على أبوابها لمنعهم من الوصول إليها، تعرضت إلى قصف مدفعي وبالمروحيات لإيقاع اكبر عدد ممكن من القتلى في صفوف المقاومين.
وتعاني الثورة في الغرب الليبي، من اقتصارها على المدن الكبرى في الساحل، وتشكل سلسلة المدن المعروضة للزيارة، سبحة ببلدات يتراوح عدد ساكنيها بين 20 و40 ألف شخص، يصعب على أهلها مواجهة الكتائب الأمنية. وباستثناء الزاوية، لا يشهد الغرب الليبي معارك حقيقية مع القذافي.
ولم يشهد الجيش في المدن الغربية، والزاوية منها، انقساما، والتحاق ضباطه بالثائرين أسوة بالشرق وكتائبه «لأن القذافي أمر بفرض الإقامة الجبرية على الضباط، وعزل الوحدات عن بعضها»، بحسب مفتاح ميلود، المحلل الصحافي في البيضاء. لكن القذافي اتبع في الغرب تكتيكات مختلفة عن بنغازي، حيث أبقى على كتيبة الفضيل بن عمرو لتواجه الثائرين في المدينة ما أدى إلى انقسامها وتشتت عناصرها، وانضمام بعض ضباطها، وهم من قبائل الشرق إلى الثورة.
أما في الزاوية، ومدن الغرب، فكانت كتائب الجيش تنسحب من دون مواجهات لتحاصر الثوار، وتحكم الحصار على المداخل الاستراتيجية، وهو ما حرم الثورة من مدد الضباط الثائرين، الذين «تقتصر خبرتهم العسكرية، على التدريبات التي تلقوها خلال الخدمة في الجيش»، كما قال احدهم في الهاتف لـ«السفير».
ويعتقد الثوار أن المقاومة في المدينة، التي لا تبعد أكثر من 40 كيلومترا عن طرابلس، حيوية لمستقبل الثورة، لأنها تساعد على إبقاء جذوة الاحتجاج مشتعلة في طرابلس نفسها، وأن سقوطها سيجبر الشرق على الاعتماد على الحل العسكري وحده، وإسقاط أي أمل بانتفاضة في قلب العاصمة تحقن دماء كثيرة، وتوفر على «الانتقالي» وطأة الإعداد لحملة عسكرية لن يكون بوسعه تحقيق انتصار فيها بالسرعة التي يتصورها، وفي ظل الارتجال الذي يسود العمليات، وغياب الأركان العسكرية المؤهلة لشنها، وتعرض قواته لخسائر كبيرة في الساعات الأخيرة.
ويقول مقرب من المجلس الانتقالي إن القرار بالوصول إلى طرابلس بالزحف عليها من بنغازي، ليس واقعياً، في ظل افتقاد الثوار لسلاح الطيران، والذين سيواجهون بسياراتهم السريعة وبعض المدافع المضادة للطائرات التفوق العسكري الجوي الكاسح للقوات الموالية لطرابلس، على طريق تمتد ألف كلم من بنغازي إلى طرابلس.
ذلك أن أي طائرة للثوار لن ترتفع عن الأرض. ولم يؤد وقوع ثلاث قواعد جوية في الشرق، من أصل ست في ليبيا، في يد الثوار، إلى تغيير جوهري في ميزان القوى جوا. «فقواعد بنينا قرب بنغازي، وعبد الناصر قرب طبرق، والأبرق قرب البيضاء، ليس لها من القواعد الاستراتيجية أو الجوية سوى الاسم، فالطائرات فيها معطلة، والأسراب المروحية، غير قادرة على القتال، كما أن تسليحها وصواريخها ليست سوى كومة من الخردة تركها القذافي، فيما تعمل الأسراب الفعلية من قواعد طرابلس وسرت وسبها. القذافي كان يعد للحرب ضد الشرق منذ 40 عاما، أما الرهان على حظر دولي للطيران يحرم القذافي من سلاح الطيران فيتيح هامشاً لقوات المجلس الانتقالي لتحقيق بعض التوازن في المعارك، في الأيام المقبلة».
وبينت العمليات العسكرية حول رأس لانوف، وتراجع الثوار من بن جواد على بعد 50 كلم من سرت، وسقوط العشرات منهم جراء القصف الجوي، أن القذافي لا يزال يمسك بالمبادرة العسكرية والسياسية في المنطقة. وكانت مصراتة قد تعرضت لعملية إنزال إلى الشرق منها «لقطع طريق الانسحاب على المهاجمين، ومنعهم من التقدم نحو سرت، وتفجير محطة تحلية المياه في المدينة».
وقال مقرب من المجلس الانتقالي إن المجلس يفاوض تحالفاً من أولاد سليمان في سرت، وبعض أعيان القذاذفة في المدينة، من غير فرع القحوص الذي ينتمي إليه القذافي، لتحييد المدينة، وتفادي دخول المهاجمين إليها، لقاء تركهم يعبرون منها باتجاه طرابلس. وأضاف إن الكتائب الأمنية تجمع قواتها في الوادي الأحمر، إلى الجنوب من سرت، وتتمركز خارج المدينة، وهو ما يجعل المعركة من اجل سرت صعبة ومكلفة، من دون مجلس الأمن، وحظر الطيران، أو هدنة مع قبائل المدينة لحقن الدماء.