ول تصويـت حـرّ فـي تاريـخ مصـر غـداً

فضاء مصر الالكتروني، خاصة الشبكات الاجتماعية، له لونان. الأخضر، هو لكلمة «نعم» والأحمر لـ«لا». كلاهما موجه للتعديلات الدستورية التي يجري عليها استفتاء شعبي غداً السبت، لاستبيان رأي المصريين حول 8 مواد تكفل انتخابات نيابية ورئاسية نزيهة وتلزم البرلمان المقبل بانتخاب هيئة لوضع دستور جديد للبلاد.
ولا تخلو صفحة على موقعي «فيسبوك» أو «تويتر» من اللونين والكلمتين في انعكاس لحالة الاستقطاب الحاد هنا بشأن الموقف من التعديلات ما بين معسكري نعم ولا.
وبعد أن سادت ألوان العلم المصري، الأحمر والأبيض والأسود، المواقع ذاتها، وغطت شوارع مصر ودهنت بها أرصفتها، وزينت عشرات الآلاف من الأعلام الشرفات، عندما كان المزاج العام المصري منتشياً في حالة إجماع بعد خلع حسني مبارك، استبد بالعلم لونان فقط، بعد أن تحول المصريون إلى فريقين.
في حي الزمالك، بائع السجائر في كشكه يسأل الناس كل حين: «وحضرتك نعم أو لا؟» ليبدأ الحوار الذي لا يتوقف أبداً في كل مكان، ولا يقتصر فقط على النخبة. القنوات المصرية الخاصة والمملوكة للدولة بدت جميعها مهووسة بجدل التعديلات، وأصبح النقاش حولها المادة الأكثر إثارة خاصة عندما بدأت البرامج الحوارية المسائية في استضافة ضيوف يمثلون كلاً من المعسكرين، بدت في إثارتها واهتمام الرأي العام بها، أشبه بحالة الهوس بمباراة كرة القدم.
«بعد كبت كل السنوات الماضية حصل تسونامي سياسي عند المصريين» قال الناشر هشام قاسم لـ«السفير»، مضيفاً إن ثمانية من عشرة مصريين الآن يتحدّثون في السياسة. «ادخل بنايتي لأجد البواب والجيران لا شاغل لهم سوى السياسة، وكذلك بائع الصحف، ولا أخفي أنني سئمت الموضوع».
وتبدو الحالة أشبه ما يكون بحرب أهلية في الآراء. معسكر «لا» يتهم أنصار «نعم» بأنهم من جماعة الإخوان المسلمين وسلفيين وفلول الحزب الوطني الحاكم سابقاً. ورغم أن الكثير من مؤيدي التعديلات أناس عاديون، إضافة لنشطاء يساريين وليبراليين وعلمانيين، مثل قاسم، يظلّ صوتهم خافتاً، إن لم يكن خجلاً من نعوت معسكر «لا» لهم.
يقدّم أصحاب «لا» أنفسهم على أنهم النخبة السياسية المتعلمة العلمانية المستنيرة. ووصل الحماس برجل الأعمال نجيب ساويرس، الذي يملك محطة «اون تي في» التلفزيونية، أن أنتج إعلاناً ضخماً، يضم عدداً كبيراً من الشخصيات العامة والفنانين ليقولوا «لا» بدأ ببثه مساء أمس الأول. وقام أيضاً بنشر إعلان على مساحة صفحة جريدة كاملة في عدد من صحف أمس. ومن بين مشاهير الإعلان محمد البرادعي، عمرو موسى، منى زكي، احمد حلمي وعمرو خالد، إضافة إلى ساويرس نفسه. ومن ضمن الشخصيات التي ظهرت مذيعة تقول إنها ستصوّت بـ«لا»، لان الانتخابات الآن ستأتي بالحزب الوطني والإخوان المسلمين.
وفي غياب مؤشرات علمية للرأي العام، لا توجد على الإطلاق مجسّات لتبين توجّه المصريين ورأيهم تجاه التعديلات. ويجمع الخبراء أن نتيجة التصويت ستتراوح ما بين 50 في المئة مع، و50 في المئة ضدّ. لكن الظاهر على مواقع التواصل الاجتماعي أن نسبة كبيرة تميل إلى «لا» التي تنوّعت أشكال عرضها. فتارة هي «تؤ» وهي «لا» بالعامية. او «لع» باللهجة الصعيدية المفتعلة او «يفتح الله يا تعديلات». او مزيج غربي ـ عربي مثل «هيل لا» وكأنها العبارة الانكليزية «hell no» اي «بالطبع لا».
لكن هذه الحالة تحديداً نخبوية في مجملها، خاصة إعلان قناة «اون تي في» الذي اتهم بأنه شديد الطبقية ويعرض شخصيات لا تعبر عن تنوّع المجتمع المصري الذي يعيش 40 في المئة من سكانه تحت خط الفقر. وفي مقابل هذا الإعلان، ظهرت فتاوى، على شكل لافتات في بعض شوارع وأحياء القاهرة، تقول ان التصويت بـ«نعم» هو واجب ديني. واتهم «الإخوان» والتيار السلفي بنشر هذه اللافتات، واللجوء إلى الدين للضغط على الناخبين. وهو الاتهام الذي نفاه متحدثون للجماعة. ومن اللافت أن إعلان «اون تي في» تضمن الى جانب الداعية الاسلامي عمرو خالد، الداعية الأكثر شباباً معز مسعود. وليس واضحاً بعد طبيعة المزاج في الأقاليم والمحافظات خارج العاصمة.
الاستفتاء على المواد المعدلة، يتضمن أيضاً الموافقة على أن يقوم مجلسا الشعب والشورى الجديدان بانتخاب لجنة مكوّنة من 100 شخصية من خارج البرلمان أو داخله، لكتابة دستور جديد للبلاد خلال ستة أشهر. وقامت اللجنة التي عدّلت هذه المواد بإرفاق توصيات للمجلس الأعلى للقوات المسلحة بإجراء الانتخابات النيابية أولاً، تليها الرئاسية.
ويعترض معسكر «لا» على أمور عديدة. أولها رغبتهم في دستور جديد وليس معدلاً، وانتقادهم العمل بالدستور الحالي، المعطل منذ تنحي مبارك في 11 شباط الماضي، واتهامهم لجنة تعديل الدستور بـ«ترقيعه». من ناحية أخرى يقول هؤلاء إن الاستفتاء يتم على عجل، وإنه ستتبعه بعد أشهر انتخابات نيابية مصر ليست «جاهزة» لها، وسيفوز بها «الإخوان» وفلول «الحزب الوطني»، وان القوى السياسية الاخرى تحتاج إلى «وقت» لكي يكون لها شعبية في المجتمع المصري، خاصة تلك المجموعات والأحزاب الجديدة التي بدأت تظهر بعد الثورة.
«الإخوان» أعلنوا أنهم سيتنافسون على 30 في المئة فقط من مقاعد البرلمان، ولن ترشح الجماعة أحداً للانتخابات الرئاسية. ولكن ظل صوت «لا» هو الأعلى، إعلامياً على الأقل، خاصة منطقه الذي يبعث بالخوف من «الإخوان»، الذين قام النظام طوال العقود الماضية بتخويف المصريين منهم بالطريقة ذاته، وانهم سيكونون الخيار الوحيد امام المصريين في حالة فتح باب الديموقراطية واجراء انتخابات نزيهة.
الا ان قاسم، وهو ليبرالي يوافق على التعديلات، يرى في ذلك المنطق مبالغة ويصف لجوء اصحاب «لا» لهذا التخويف بانهم اناس لم يتجاوزوا «الحالة الذهنية التي سادت زمن مبارك» ويقول «بدلاً من أن يخلقوا مساراً سياسياً، يلجؤون إلى العدوانية السياسية والذهنية السلبية».
ويعكس الباحث السياسي عمرو الشوبكي حالة الارتباك الحاصلة بسبب التعبئة الإعلامية الشديدة. فبعد أن ظهر الأسبوع الماضي مدافعاً عن التعديلات، عاد وأعلن أمس الاول عبر برنامج العاشرة مساء، انه سيصوّت بـ«لا» وقال لـ«السفير» إنه غير راض على «ترقيع الدستور» ولهذا انحاز لمعارضته.
إلا أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة فاجأ الجميع أمس الأول، وأعلن أحد أعضائه، اللواء ممدوح شاهين، في برنامج على تلفزيون الدولة، أنه في حالة صوّت المصريون بنعم أو لا، لن يتم العمل بدستور 1971 مرة أخرى، وسيستبدل بـ«إعلان دستوري». وهو التصريح الذي أراح البعض وأثار المزيد من علامات الاستفهام للبعض الآخر. ووصفته الناشطة الحقوقية سها عبد العاطي بأنه كلام «غير مفهوم». وعلّق الشوبكي قائلاً «اذا كان المجلس العسكري يتصرّف بهذا الإرباك، ما بالك بالنخبة والإرباك الحاصل لها؟».
ولم يعلن المجلس بعد عن المسار الذي سيتبع في حال رفضت التعديلات، حيث إن التصويت بنعم سيعني حزمة إجراءات بتوقيتات محددة وعبر آليات معلنة. أما «لا»، فلا يوجد لها بدائل واضحة عليها إجماع. وتزامن هذا الزخم مع زيارة قامت بها وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون للقاهرة، للمرة الأولى منذ الإطاحة بمبارك، حيث التقت القائد العام للمجلس الأعلى للقوات المسلحة المشير محمد حسين طنطاوي. وحسب قاسم، الذي حضر اجتماعاً للمثقفين والساسة معها، قالت كلينتون إن طنطاوي قال لها انه يستطيع ادارة جيش، لكنه لا يستطيع ادارة دولة، وانه يريد للجيش ان يعود الى ثكناته. وهو المؤشر الذي أكد لقاسم، كما لآخرين، رغبة الجيش الملحة ترك ادارة البلاد في أسرع وقت، بينما يطالبه معسكر «لا» بالبقاء حتى لا تعقد انتخابات هم غير جاهزين لها.
ويتوقع المراقبون ارتفاع نسبة المشاركة في الاستفتاء غداً، بعد أن أصبح من الممكن التصويت ببطاقة الرقم القومي، عكس الماضي عندما كان ينبغي استخراج بطاقة انتخابية. وتقول اللجنة المشرفة على الاستفتاء إن حوالى 40 مليون مصري مأهلون للتصويت. ويتوقع ان يرتفع معدل المشاركة بشكل غير مسبوق في تاريخ مصر، لعلم الجميع ان هذا اول اقتراع غير مزور على الإطلاق. وهو الثابت الوحيد، الذي يثير حالة من النشوة السائدة لدى الكثيرين هنا، رغم الاستقطاب والاتهامات بين المعسكرين.
وللمرة الأولى، يتحول شعار «صوتك امانة» الذي كان يطلقه إعلام مبارك ولا يستجيب له احد، الى هدف يسعى اليه الملايين الذين قد يرون صناديق الاقتراع للمرة الاولى في حياتهم صباح غد.