هل يتكرر مع القذافي سيناريو بقاء صدام بعد العام 1991؟

يخال القادة المعارضون ان الوقت إلى جانبهم. ربما هم على حق. لكن هذا ما ظنه خصوم الرئيس العراقي السابق صدام حسين طيلة 20 عاما.
إن الصراع الدائر بين مؤيدي الزعيم الليبي معمر القذافي ومعارضيه، قد يحوّل البلاد إلى صومال آخر بحسب وزير الخارجية السابق موسى كوسا الذي فرّ إلى بريطانيا مؤخرا.
ولا شك ان مكونات الصراع الطويل متوفرة في الوضع الحالي في ليبيا، لكن الحديث عن اقتراب سقوط القذافي يبدو مماثلا للتوقعات التي رجّحت في العام 1991 سقوط صدام حسين في العراق بعد هزيمته الكارثية في الكويت والاحتجاجات الهائلة للشيعة والاكراد ضده قبيل سحقه التام لهم. في الحقيقة، فإن صدام استطاع ان ينجو من هذه التوقعات لـ 12 سنة اضافية قبل إطاحته نتيجة الغزو الاميركي ـ البريطاني الذي ادخل البلاد في دائرة من العنف لم يسبق ان عاشها العراقيون من قبل والتي يفشلون حتى اللحظة في الخروج منها. فهل من الممكن ان تتكرر التجربة في ليبيا؟
في الواقع، لم يعد الأمر في ليبيا كما كان في الأسابيع الأولى للثورة، واحتمال ترك القذافي لطرابلس او سقوطه ضحية انقلاب مساعديه العسكريين، بات مستبعداً... على العكس، يبدو ان القذافي يعمل على حماية سلطته واستقرارها وقد يبقى في موقعه لأشهر وربما لأعوام.
ميدانيا، يبدو ان الطريق مسدود، مع تنافس قوات صغيرة من الجانبين على السيطرة على مدينة أجدابيا لأسابيع متتالية، من دون ضربة قاضية تحسم الأمر. مشهد أمني وعسكري، يشكل الصحافيون جزءا كبيرا منه مع انتشارهم في الخطوط الأمامية إلى جانب المقاتلين، وأحيانا مجهزين بأسلحة رشاشة في الظهر.
اثبت القذافي انه اللاعب الأقوى في ليبيا. نعم، نجح القصف الجوي للولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا في منع القذافي من السيطرة على بنغازي كما انتشرت العربات المدرعة على جانبي الطريق بين بنغازي وأجدابيا الحافلة بالجثث المحترقة، ولكن الوضع لم يتغير منذ ذلك النجاح المبكر: ضربات «الناتو» الجوية لا تزال تهدد قوات القذافي من السيطرة على بنغازي كما كانت تفعل منذ اسابيع، لا اكثر.
يرتاح قادة المعارضة لغليان شرق ليبيا بالثوار والاحتجاجات، على اعتبار ان الامر كفيل بإزاحة القذافي وعائلته في النهاية... قد يحصل ذلك، ولكن الاشارات المؤدية لمثل هذا السيناريو ضئيلة. ويبدو ان النظام في طرابلس استطاع لملمة نفسه وقواته لسحق اي ثورة يافعة جديدة. اما الآن، فالبلاد منقسمة جذريا عند حدود المقاطعتين التاريخيتين بين برقة (التسمية العربية التي أطلقت على الجزء الشرقي من ليبيا) وإقليم طرابلس (الذي ضم تاريخيا الأجزاء الشمالية الغربية من ليبيا). لن يكون باستطاعة قوات القذافي التقدم بوجه الضربات الجوية للحلف الأطلسي لكنها أيضا لن تتراجع بتهور بعد الخسائر الفادحة.. هم ببساطة، أتقنوا التجوّل بباصات تشبه تماما تلك التي يقودها المدنيون والثوار.
لا يزال الليبيون جددا في الحرب، وخسائرهم لا تصلح مقارنتها مع الاعداد الهائلة لقتلى وجرحى لبنان والعراق وأفغانستان. وفي بنغازي، لا يزال البنزين رخيص الثمن والتيار الكهربائي متوفرا تقريبا، ولو بمعدل ثلاث ساعات يوميا. لكن هناك تخوفا عميقا من ان تقوم قوات النظام، في حال انتصار الرئيس، وهي التي يصفها الثوار بالمرتزقة، «بقتل الرجال واغتصاب النساء»، بحسب تعبير احد سكان بنغازي.
قوة المجلس الوطني الانتقالي تبقى في دعم المجتمع الدولي السياسي له، اما قدرته على تشكيل حكومة فعالة لادارة البلاد، فأمر صعب. اذ بدت المعارضة في العالم العربي ناجحة فقط في ما يتعلق بتحريك التظاهرات وكسب دعم الصحافة العالمية، وهذا ما جعل مدينة بنغازي القديمة، حيث وقف بينيتو موسوليني والماريشال اروين رومل والملك ادريس متوجهين الى الحشود الشعبية في محطات تاريخية عدة، منطقة «محتلة» من قبل قناة «الجزيرة» الفضائية.
وحين زار وفد الاتحاد الافريقي المكان هذا الاسبوع لاقتراح وقف اطلاق النار دون الدعوة الى تنحي القذافي بشكل واضح، بدت الحشود المنددة بالزعيم الليبي اكثر تنظيما من قادتها داخل الاجتماع، حاملة يافطات بالعربية والفرنسية والانكليزية تنادي برحيله الفوري ومؤكدة ان تقسيم ليبيا غير وارد لان الجميع يقف موحدا ضد «الدكتاتور».
مع الاسف، فإن الوضع في البلاد ليس بهذا الوضوح. فالقذافي وعائلته لا يزالون في مواقعهم والرحيل غير وارد بالنسبة اليهم، كما ان ليبيا منقسمة الى جزأين. وكلّما طالت الازمة الخطيرة كلّما اضطر الليبيون الى التحيّز لأحد الجانبين وكلّما زاد خطر الحرب الاهلية. اما نتائج النزاع، فمن المرجح ان تقررها القوى الخارجية، ما قد يمكّن القذافي من تقديم نفسه على انه الزعيم الوطني الذي يدافع عن ليبيا في وجه السيطرة الاستعمارية.
ان تهدئة الوضع في ليبيا الى مستوى الاضطراب في الصومال قد يأخذ وقتا طويلا، لكن النزاع الأهلي مع ما اعطته الأحقاد من زخم، كان قد بدأ مع اول اطلاق للنار ولن ينتهي بسهولة. اما الجيّد بالنسبة الى ليبيا، فهو ان شبابها ـ على عكس شباب العراق وأفغانستان ـ لا يتقنون استخدام الاسلحة... غير ان الامر لن يبقى كذلك.