«العودة» الأولى إلى مخيم نهر البارد: مشاعر متناقضة

حالما أعطى عناصر الجيش الإذن بالدخول للعائلات، التي تجمّعت عند المدخل الترابي المضاف إلى الجزء القديم من مخيم نهر البارد، قرابة الساعة التاسعة وربع من صباح أمس، تدفق سيل بشري في الممر. ضاقت الطريق بمن عبروها، لتتسع تدريجاً، فور وصولهم إلى الباحة التي أقيم فيها احتفال رمزي بتسليم مفاتيح البيوت الجديدة وشيكات بدل الأثاث، إيذاناً ببدء عودة الأهالي إلى مخيمهم بعد نحو أربع سنوات من مغادرتهم الاضطرارية إيّاه، بسبب الأحداث الأمنية التي شهدها صيف عام 2007.
هكذا، أحيط الممر الترابي، الذي يبلغ طوله نحو 50 متراً، وعرضه لا يزيد على 4 أمتار، بأسلاك شائكة وضعها الجيش على طرفي الممر. ووضع مثل هذه الأسلاك في محيط المبنيين اللذين سيسكنهما الأهالي، للفصل بينهما وبين باقي مباني الرزمة الأولى التي لم تنجز بعد. وبعد عودتهم، عبّر الأهالي عن مشاعر متناقضة. تجمّعوا تحت ظلال الخيمتين اللتين وضعتا في الباحة استعداداً للمناسبة، وفي محيطهما. بعضهم لم يصدق أنه سيعود إلى المخيم مرةً ثانية، ما دفعه إلى البكاء وذرف الدموع وهو يعبّر عن مشاعره. أحد العائدين، أخذ يرقص وهو يضحك ويبكي في آن واحد. لهفة العودة كانت حاضرة في عيون الأهالي، سواء الذين وردت أسماؤهم لتسلم الدفعة الأولى من المفاتيح وشيكات بدل الأثاث، وهؤلاء تبلغوا ذلك أول من أمس، أو الذين لا يزالون ينتظرون دورهم، حيث سُمع أحدهم وهو يقول بصوت عالٍ: «معقول نرجع إلى سعسع وصفوري مرة ثانية؟».
«شعور كتير حلو، والواحد فينا مبسوط»، يقول حسّان السيد، وهو يصف أحاسيسه بعد تسلّمه مفتاح منزله الجديد، لأن «الجيران هم ذاتهم، وسنقيم في الحي (سعسع) ذاته»، لكن فرحة العودة في رأيه «كانت ناقصة لسببين: الأول أن الجميع لم يعد بعد إلى المخيم، والثاني أن معالم المخيم تغيرت، في السابق كان المخيم أفضل»، لكن، الفرحة نغّصها تراجع عدد الذين كان يفترض أن تسلّمهم الأونروا مفاتيح بيوتهم من 108 عائلات، حسب ما كان معلناً سابقاً، إلى 40 عائلة فقط، لأن «البيوت المعدة لاستقبال العائلات العائدة لا تتجاوز هذا العدد»، حسب قول عضو اللجنة الشعبية في المخيم أحمد عبده.
عبده الذي أوضح لـ«الأخبار» أن «فرحة الأهالي بالحدث كانت كبيرة، لأنه كسر عندهم حاجز الشك في إمكان العودة»، سأل: «إذا كنا بعد 4 سنوات قد أعدنا 40 عائلة فقط إلى المخيم، فكم سنحتاج من سنين لإعادة أكثر من 5 آلاف عائلة إليه»، مشيراً إلى أن «ما أنجز كان خجولاً جداً، لكن معاناة الأهالي جعلته عظيماً». وفي الحفل الذي ترافق مع إطلاق النساء زغاريد فرح عند تسليم كل مفتاح أو شيك بدل أثاث، أكد مدير وحدة الإعمار تشارلي هيغنز أن «هذه العملية ستُستكمَل بتسريع وتيرة العمل في الرزمتين الأولى والثانية، والبدء بالثالثة والمدارس ومعهد التدريب المهني»، فيما رأى أمين سر اللجنة الشعبية في المخيم خليل خضر أن «هذا الإنجاز خطوة مهمّة على طريق سكة الإعمار».
أما ردود الفعل المرحّبة بعودة نازحي مخيم نهر البارد إلى منازلهم الجديدة، فترافقت مع تحفظات. حيث إنّ مسؤول ملف المخيم في قوى التحالف الفلسطيني أبو عدنان عودة، رأى أن «الخطوة ناقصة، وثمّة ملاحظات فنية كبيرة على الأشغال»، بينما رأى عضو الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين في الشمال، أركان بدر، أن للخطوة «أبعاداً وطنية وسياسية ومدلولات اجتماعية وإنسانية»، بينما طالب مسؤول حركة حماس في الشمال، جمال الشهابي، «بتجاوز الأخطاء الفنية التي حصلت خلال إعمار الرزم الباقية».

العيش مع الأسلاك

الشقق الجديدة في مخيّم نهر البارد، التي تسلم أصحابها أمس مفاتيحها من الأونروا، تقلّص حجمها بحدود الثلث تقريباً، إذ إن من كانت مساحة شقته 90 متراً مربعاً مثلاً في السابق قبل تدمير المخيم، أصبحت حالياً 60 متراً، بعدما لحظ المخطط الجديد للمخيم توسيع حجم الشوارع والساحات على حساب الشقق. أما المشكلة الأخرى التي أكد العائدون أنهم سيواجهونها، فهي أن دخولهم وخروجهم من المخيم «سيكون مشياً عبر الممر الترابي المحاط بالأسلاك الشائكة».