تقرير 1559 يضع سلاح المقاومة في خانة «تهديد حقوق الإنسان»

صعّد الأمين العام للأمم المتحدة مطالبته بنزع سلاح المقاومة، ووضعه في خانة تهديد حقوق الإنسان في لبنان، وبأنه يحول دون حصول توافق وطني. وقال بان، في التقرير الذي يعدّه ناظر القرار 1559 تيري رود لارسن، إن الأشهر الأخيرة لم تشهد أي تقدم على طريق نزع سلاح الميليشيات، وأكبرها حزب الله، داعياً إلى مساعدة الدول المؤثرة على تحويل الحزب فوراً إلى قوة سياسية. ودعا الرئيس المكلّف نجيب ميقاتي إلى السير على خطى رئيسي الحكومة فؤاد السنيورة وسعد الحريري.
وتناول تقرير لارسن الثالث عشر التطورات التي جرت في لبنان منذ صدور القرار الظني عن دانيال بلمار، المدّعي العام لمحكمة لبنان الخاصة في 17 كانون الثاني الماضي. ولفت إلى إعلان وزير خارجية السعودية، سعود الفيصل، بعدها بيومين إنهاء وساطة بلاده في الشأن اللبناني، من دون أن يذكر تراجعه عن ذلك القرار لاحقاً.
وبعد سرد التطورات السياسية، من تكليف الرئيس نجيب ميقاتي تأليف الحكومة والوساطة القطرية التركية، ركّز على أن مهرجان قوى 14 آذار تمحور حول ضرورة نزع سلاح «حزب الله»، وعلى دعم المحكمة الدولية، وعلى تصاعد الحملات السياسية خلال فترة اتّسمت بالجمود في تأليف الحكومة وظهور حركة تظاهر مطالبة بإلغاء النظام الطائفي في لبنان امتداداً للحركات الشعبية الجارية في المنطقة.
بان كي مون أكد، في التقرير، أن غالبية بنود القرار 1559 نُفّذت، باستثناء بقاء الميليشات اللبنانية وغير اللبنانية «التي لا تزال تمثّل تهديداً لاستقرار البلاد والمنطقة»، مشدداً على أهمية حصرية السلاح الرسمي. وأشار إلى أنه بقي خلال هذه الفترة على اتصال مع الأطراف كافة، خاصّاً بالذكر لقاءه مع سعد الحريري في 9 كانون الثاني، ولافتاً إلى أن الأشهر الستة الأخيرة لم تشهد أي تقدم على صعيد تطبيق بقية البنود أو تخفيف التوتر السياسي في لبنان وحفظ سيادة البلاد واستقلالها. وركز على أن ترسيم الحدود مع سوريا لا يزال ينتظر التطبيق، معتبراً إياه «عنصراً أساسياً من أجل كفالة وحدة الأراضي وعنصراً حاسماً في ضبط الحدود». ولفت إلى أنه خلال الفترة الأخيرة لم تحصل أي نقاشات بين البلدين في هذا الخصوص.
وفي المقابل أكد أن إسرائيل لا تزال تحتفظ بالأراضي المحتلة في شمال الغجر وجوارها، في انتهاك لسيادة لبنان وقرارات مجلس الأمن. وإذ أشار إلى قبول الحكومة الإسرائيلية، من حيث المبدأ، اقتراح الأمم المتحدة الانسحاب، لكن ذلك بقي قيد الانتظار من دون تحديد المسؤولية في التعطيل. وألقى باللوم على سوريا ومن بعدها إسرائيل في التباطؤ في تقديم الخرائط الخاصة بمنطقة مزارع شبعا اللبنانية المحتلة. وأعرب عن أسفه لمواصلة خرق إسرائيل لسيادة لبنان جواً، يومياً، مع زيادة في طلعات الطائرات الحربية وطائرات التجسّس، لكنه لم يُدنْها رغم اعتبارها انتهاكاً صارخاً لقرارات مجلس الأمن جميعها. وكرر الأعذار الإسرائيلية القائلة بأنها ضرورية لمراقبة تهريب السلاح، وهي مسألة لم تؤكدها كافة تقارير الأمين العام السابقة.
وفي موضوع بسط سيادة الحكومة على الأراضي اللبنانية، أشار إلى تكبيل حرية قوات اليونيفيل في الجنوب، ملقياً المسؤولية في ذلك على القوات المسلحة اللبنانية. وفيما لم يعرب عن قلقه من الخروق وشبكات التجسّس الإسرائيلية فوق الأراضي اللبنانية، أعرب عن قلقه من «الحوادث الأمنية التي استخدمت فيها أسلحة ومتفجرات في الأماكن المأهولة بالسكان»، مشيراً خصوصاً إلى انفجار كنيسة زحلة بعبوة ناسفة زنتها 2 كلغ من مادة الـ تي أن تي، وعدّ ذلك دليلاً على «امتلاك أسلحة فتاكة من قبل جماعات غير حكومية». وطالب الحكومة ببذل المزيد من أجل حصر السلاح في يدها، مشيراً إلى السلاح في أيدي القوات الفلسطينية في نقاط حدودية غير مرسّمة، والحاجة إلى تعزيز قدرات سلطات حماية نقاط العبور الحدودية منعاً لتهريب السلاح وغيره من البضائع. ونوّه بإعراب بعض الدول، التي لم يسمّها، عن قلقها من استمرار العبور غير الشرعي للسلاح عبر الحدود. وكانت إسرائيل قد شكت مراراً، في رسائل إلى الأمين العام، من عمليات تهريب نفتها السلطات العسكرية اللبنانية وتقارير الأمم المتحدة. ولفت أيضاً إلى افتقار لبنان إلى القدرات التقنية اللازمة لمراقبة الحدود.
وتحدث تقرير الأمين العام عن التقارير الأخيرة عن تهريب السلاح من الأراضي اللبنانية إلى سوريا، مؤكداً أنه يأخذ هذه التقارير جميعاً «على محمل الجد الشديد، لكن الأمم المتحدة لا تمتلك وسائل للتحقق من صحتها بطريقة مستقلة». وطالب بتعزيز عمل قوة الحدود المشتركة، وترسيم الحدود من أجل منع انتقال السلاح والمسلحين خارج إطار السلطة الشرعية اللبنانية، باعتباره «عاملاً أساسياً من عوامل استقرار لبنان والمنطقة».
وفي موضوع نزع سلاح الميليشيات، أشار إلى أنه لا يزال منتشراً في أيدي اللبنانيين، لكن سلاح «حزب الله» يبقى الأقوى والأهم، لافتاً إلى أنه لم تبذل أي جهود حتى الآن لمعالجة هذه المسألة تطبيقاً لاتفاق الطائف والقرارات الدولية. وأشاد بإعادة سعد الحريري وأعضاء آخرين من تحالفه هذه المسألة إلى مركز الاهتمام في النقاش السياسي في البلاد. وعدّ بقاء السلاح في يد الحزب تهديداً لأمن المواطنين واستقرار البلاد. وأشار في الوقت نفسه إلى أن «حزب الله» «يزعم أن ترسانته المستقلة عن الدولة اللبنانية مكرّسة لأغراض دفاعية في وجه إسرائيل»، مشكّكاً في هذا القول. وذكر أن «حزب الله» نشر عناصر من قواته في بيروت في 18 كانون الثاني الماضي عند تسليم القرار الظني في اغتيال رفيق الحريري إلى قاضي ما قبل المحاكمة في محكمة لبنان الخاصة، وعدّه استعراضاً للقوة. لكن الجيش اللبناني نشر قواته في تلك الأماكن من العاصمة «من أجل طمأنة المواطنين»، حسب تفسيره. وأكد أنه في الوقت الذي لا يستطيع فيه التثبت من صحة التصريحات عن تعزيز قدرات «حزب الله» العسكرية كما يعلنها أمينه العام السيد حسن نصر الله، إلا أنه يميل بشدة إلى تصديقها. أمر عاد وركّز على أنه يثير القلق لدى فئات كبرى من الشعب اللبناني، ولا سيما أعضاء لقاء البريستول.
وتناول أيضاً خطاب السيد نصر الله في 16 آذار، الذي أكد فيه عقم محاولة نزع سلاح الحزب. ولم ينس التقرير الإشارة إلى أحداث 7 أيار 2008 وإلى تعثّر طاولة الحوار وتوقف المشاركة فيها منذ تشرين الثاني الماضي. كذلك تناول سلاح المنظمات الفلسطينية داخل المخيمات وخارجها، مركّزاً على عدم الاستقرار في مخيم عين الحلوة ومخاطر انتشار التوتر إلى المناطق المتاخمة، واضعاً ذلك في خانة التحدي لسيادة الدولة. وأشار إلى تناقض بين القرارات المختلفة واتفاق القاهرة الذي نظّم علاقة السلاح الفلسطيني عام 1969 وألغته الحكومة اللبنانية من جانبها.
وفي ملاحظاته الختامية، أكد الأمين العام غياب أي تقدم في تطبيق القرار، وأعرب عن قلقه من تزايد التوتّر بعد تسليم القرار الظني للمدّعي العام لمحكمة الحريري الخاصة، مشيراً إلى تشبّث كل طرف بمواقفه على نحو أشدّ تطرفاً مع عملية استقطاب على الساحة اللبنانية، معرباً عن خوفه على استقرار البلاد. ورأى أنه نظراً إلى التركيبة الطائفية اللبنانية، فإن بلوغ إجماع وطني ضروري لسلام لبنان وأمنه، من دون أن يهمل ضرورة محاسبة قتلة الحريري وتنفيذ الإرادة الدولية في التخلص من السلاح خارج الدولة. وناشد كافة القوى الداخلية والأجنبية وقف تزويد القوى اللبنانية بالسلاح. وعدّ سلاح «حزب الله» تحديداً بمثابة «استفزاز وتحدّ رئيسي لسلامة اللبنانيين ولحصرية السلطة اللبنانية وقواها المسلحة». ودعا قيادة «حزب الله» إلى التحول فوراً إلى حزب سياسي لبناني ونزع سلاحه. ووضع التسلّح في خانة انتهاك حقوق الإنسان. وناشد الدول الإقليمية التي تدعم الحزب المساعدة على تحويل الحزب إلى قوة سياسية محضة. لكنه عاد وكرر عبارة لازمة، أن السبيل إلى ذلك لا يكون إلا من خلال الحوار السلمي، داعياً الرئيس ميشال سليمان إلى بعث طاولة الحوار الوطني. وحثّ على تبنّي اللبنانيين لـ«استراتيجية دفاعية وطنية» تعالج قضية «المجموعات المسلحة»، لا الدفاع ضد الاعتداءات الإسرائيلية التي لم يأت على ذكرها. وأعرب عن أمله أن تراعي حكومة ميقاتي هذه الجوانب، سيراً على الخط الذي رسمته حكومتا فؤاد السنيورة وسعد الحريري، ولا سيما في أسلوب التعاطي مع المخيمات الفلسطينية.