مخيمات بيروت تتابع أخبار الداخل الفلسطيني.. بيأس

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]

كان أهالي مخيم «برج البراجنة»، أمس، على موعد مع «اعتصام جماهيري» ـ وفقاً للبيان الذي وزعته «تحالف القوى الفلسطينية» ـ أمام مسجد «الفرقان» في المخيم، احتجاجاً على قيام الاحتلال الصهيوني بالاعتداء على المسجد الأقصى، وتنديداً بتشييد «كنيس الخراب»، الذي يمهد لإقامة الهيكل اليهودي المزعوم على أنقاض الأقصى.
قبل الموعد الذي حدد عند الثالثة والنصف عصراً، كان المخيم، صباحاً، «نائماً». البعض توجهوا إلى أعمالهم، والبعض الآخر استقلوا حافلات المدرسة أو الجامعة، ومنهم من مكث في المنزل يفكر بأمر ما. هو يوم عادي، لم يختلف صباحه عن بقية الأيام سوى أن بعض شاشات التلفزة كانت تنقل أخباراً من فلسطين المحتلة، معلنة استكمال الاشتباكات بين الفلسطينيين وشرطة العدو الاسرائيلي.
ينسحب المشهد نفسه على مخيم شاتيلا: عربة خضار عند المدخل، صور لقادة فلسطينيين في الأفق، سيدة مسنة تمشي ببطء، شاب ملتح يتفحص بندقيته، وفتى يجلس في محل «بلياردو». يوم عادي أيضاً.
زحمة الزبائن في المقهى الصغير المقابل لمدخل مسجد «الفرقان» في مخيم «البرج». تشير الساعة إلى الثالثة. تخف الزحمة. صاحب المقهى منهمك بتلبية الطلبات، والتي تقتصر على فناجين القهوة. يأخذ عبد الله ناصر فنجانه ويجلس إلى الكنبة الصوفية، منصتاً إلى آخر الأخبار عن الاشتباكات في القدس.
بعد قليل، ينضم رجل خمسيني إلى المجلس. وبطبيعة الحال، فإن الحديث سيتمحور حول الأحداث الأخيرة من جهة، والاعتصام الذي سيقام بعد نصف ساعة من جهة ثانية. يستهل ناصر رأيه بالحديث عن «هذا الجيل الذي فقد أمله برؤية القدس. علماً أننا، نحن، جيل الثورة وصلنا إلى النتيجة نفسها». الرجل الخمسيني، ويدعى «أبا خليل»، ينصت إلى ناصر.
يستفيض ناصر، وهو «معلّم» ديكور حسبما قال، بالتعبير عن وجهة نظره الحالية تجاه ما يجري في الأقصى، مقارنة برد الفعل الذي يعم أرجاء المخيمات. يقول ناصر ان «الشعب مات. والقضية انتهت. انظر، هل ترى أحداً؟ أعني، أين الناس الذين خرجوا بالآلاف أيام حرب غزة؟».
يركز الخمسيني سمعه مع ناصر، ويكمل الأخير: «الخلل ليس في الشعب، بل في الفصائل الذين فرقونا، هنا وفي فلسطين. ما يجري هو عبارة عن تدمير ممنهج». كيف؟ يجيب: «غسل أدمغة الجيل الحالي عبر العولمة. الجيل هذا لم يعد يكترث للقدس». تبدأ مكبرات صوت المسجد ببث سور من القرآن الكريم.
يقاطع أبو خليل حديث ناصر، قائلاً: «لماذا تتحدث عن الشعب؟ ماذا عن الملوك والرؤساء العرب؟»، ثم يعرج على سرد تاريخي، مذكراً بـ»قصة الحبشي الذي كان يريد هدم الكعبة»، فيخلص إلى مقولة «مثلما للكعبة رب يحميها، فللقدس أيضاً رب يحميها». اذاً، القصة قدرية؟ «نعم. هناك إسلام، لكن ليس من مسلمين. وبالتالي، فإننا سننتظر قائداً ما ليحمينا. ياسر عرفات رحل، وجورج حبش رحل، وغيرهما رحل».
يكمل أبو خليل: «الناس لن تتفاعل. تريد أن تعرف لماذا يا أستاذ؟».
لماذا؟ يهز أبو خليل رأسه، ثم يجيب ممتعضاً: «أولاً، حاول أن تراقب ماذا سيحدث بعد قليل، سيتوافد العشرات، وليس أكثر من 20 إلى هنا، سيرفعون رايات الفصائل وليس علم فلسطين، وسيرددون الشعارات، ثم يغادرون».
يتذكر الرجل تلك الأيام التي رافقت حرب غزة، قائلاً إنه «كنا نخرج في ثياب النوم، بعضنا كان يمشي حافي القدمين. أما اليوم يا أستاذ فالناس لن تكترث لتهديم مسجد. أنا شخصياً قرفت. والناس ملت أيضاً». ينتهي أذان العصر، ويبدأ النساء بالتقاطر إلى مدخل المسجد.
يتدخل ناصر ليرد على رأي أبي خليل، فيجزم بأن «المقدسات أهم من البشر! أنت تعني بقولك أن الشعب ينتـفض لأجل الحصار أو الدم. لكن اسمح لي، القدس هي رمزنا الأخــير. فلســطين هي القدس يا أستاذي العزيز». يصمت ناصر لبرهة، ثم يردف «فلسطين باتت الآن، تشبه عنوان رواية ماركيز: مئة عام من العزلة».
تستقر الساعة عند الثالثة والنصف. ينضم بضعة شبان إلى النساء اللواتي وقفن أمام المسجد. كاميرات شاشات التلفزة مصوبة بدقة إلى هؤلاء. يعلو صوت الأناشيد قليلاً، فيتداخل مع الهتافات: «بالروح.. بالدم.. نفديك يا أقصى». ثم تكبير، فيطغى على صوت النساء. رايات الفصائل الفلسطينية ترفرف في الأفق، فيما لاح في الهواء علم فلسطين، وكأنه مدسوس بينها!
لكن أصوات المحتشدين لم تتشابه مع تلك الأصوات في «شاتيلا»: حركة عادية تشبه حركة الصباح، بعض قاطني المخيم يقولون إنهم لم يعرفوا بخبر الاشتباكات، فيما عبّر آخرون، صراحة، أن «الوقت لا يسمح لنا بالمتابعة، إيش نساوي؟»، بحسب جاد، الذي يملك محلاً لبيع الأجهزة الخلوية.
ترفرف صورة الرئيس الراحل ياسر عرفات أمام أحد المحال، وتصدح من المحل نفسه أغنية مارسيل خليفة «يا طير الجنوبي». على مرمى حجر من هذا الزقاق، يسمع صوت حماسي: «ماتت قلوب الناس.. ماتت فينا النخوة»، إنها أغنية «الضمير العربي». في محل «البلياردو»، جلس فتى لم يتجاوز عمره العشر سنوات، ينصت إلى الأغنية الحماسية.
يقول الفتى إنه «عرفت من والدي أن القدس سيهدم، ثم سألته: ما الضير في هذا الأمر؟»، وماذا أجابك؟ ينبس مهند: «قال لي إن القدس هي فلسطين. وإذا راحت القدس، راحت فلسطين. أوه أنظر إلى هذا الـ...»، يشير بيده إلى جندي اسرائيلي يظهر في «الضمير العربي» ضارباً بيده على رأس سيدة فلسطينية قرب مسجد الأقصى.

» مخيمات بيروت الفلسطينية تستعيد الهدوء
» مخيمات بيروت تحيي الذكرى 24 لاستشهاد علي أبو طوق
» صبيحات على راس وفد من تجمع اسر الشهداء يتجول في مخيمات بيروت
» أبو عفش: لا قوى سلفية في مخيمات بيروت.. وإشكال الأمس فردي
» لبنانيون يروون حياتهم وتفاصيل إقامتهم في مخيمات بيروت الفلسطينية