العقوبات الأوروبيّة على سوريا: رمزية أم رادعة؟

ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها سوريا لضغوط سياسية وعقوبات اقتصادية من المجتمع الدولي، بيد أن العقوبات الأخيرة أتت من خلفيات مختلفة عن المرات السابقة؛ ففيما كان دعم الحركات المقاومة سبباً لفرض عقوبات، أصبحت القضية اليوم متعلقة بقمع السلطة لشعبها

لم تكن العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على سوريا الأسبوع الماضي وسرى مفعولها أمس، مفاجئة في صفحة العلاقات بين دمشق ودول الغرب؛ فقد شهدت هذه العلاقات منذ تبوّء حزب البعث للسلطة في سوريا عام 1963 العديد من المطبّات السياسية وعلاقات المد والجزر على أكثر من صعيد. وإذا كانت دمشق تقلّل من وقع هذه العقوبات التي اعتادت التعامل معها لعقود طويلة، فإن سبب الإجراءات الأخيرة لن يكون هناك ما يبرّره لدى القيادة السورية؛ إذ إن التهمة التي كان يوجهها الغرب دائماً لدمشق بدعم حركات المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق

، بذريعة «مساندة الإرهاب»، كانت بمثابة ورقة ناصعة استطاعت سوريا توظيفها لمصلحتها، من خلال إظهار النظام أنه داعم وحاضن لحركات التحرر في المنطقة.
غير أن السياسة التي تمارسها أجهزة الأمن السورية بحق معارضي النظام الذي يقوده الرئيس بشار الأسد، تمثّل بنظر المجتمع الدولي سبباً وجيهاً لفرض عقوبات على نظام لم يتخذ العبرة من نظرائه في مصر وتونس، فسار على خط ليبيا واليمن، مختاراً التصادم مع شعبه.
وتكمن أهمية هذه العقوبات التي صدرت في بروكسل، في أنها مثّلت امتداداً لإجراءات أخرى فرضتها الإدارة الأميركية مطلع هذا الشهر، على الخلفية نفسها، فيما يطرح السؤال عن جدوى هذه العقوبات، وما إذا كانت مجرد رسائل سياسية رمزية أو قد تكون وسائل رادعة للنظام.
لعل الفارق بين عقوبات الأمس وعقوبات اليوم، أن لائحة الإجراءات الأخيرة باتت تحيط بدائرة الرئيس، مستهدفة شقيقه الأصغر قائد لواء الحرس الجمهوري، ماهر الأسد، وابن خاله رجل الأعمال رامي مخلوف وشقيقه الضابط في إدارة استخبارات أمن الدولة، حافظ مخلوف (40 عاماً)، الذي وصفه القرار الأوروبي بأنه شخصية «قريبة من ماهر الأسد». وتضم اللائحة كذلك شخصين من عائلة الأسد، هما فواز ومنذر، اللذين اتهمتهما المعارضة بالمشاركة في عصابات «الشبيحة».
وفيما تنص الإجراءات على تجميد أصول هذه الشخصيات الـ13، ومنعها من دخول دول الاتحاد الأوروبي، يرى محللون أن مسألة تجميد الأصول لن تؤتي أُكلها، بحكم أن شخصيات متهمة بالضلوع في القمع والفساد والاعتقال التعسفي وسرقة المال العام، هي أذكى من أن ترتكب خطأ وضع أموالها في مصارف دول كانت دائماً على علاقة فتور أو خصام مع دمشق.
اللافت في الإجراءات العقابية الأخيرة أنها أتت في سياق تناغمي واضح بين الدول الأوروبية والولايات المتحدة، على عكس العقوبات السابقة التي كانت محل جدل ونقاش طويل بين المنظومتين، ولا سيما أن أوروبا ترتبط بعلاقات اقتصادية واسعة مع سوريا، وبعض دولها يعوّل على سوريا لبناء جسر حضاري بين الشرق والغرب عبر ضفتي المتوسط في إطار الشراكة المتوسطية.
مع ذلك، بدا الاتحاد الأوروبي كأنه يراهن على تغيير ما في سياسة النظام السوري، حيث أبقى الباب مفتوحاً أمام تنفيذ الإصلاحات، من خلال استبعاد الرئيس الأسد ووزير دفاعه علي حبيب عن لائحة العقوبات، رغم الخلافات التي شهدتها أروقة المناقشات بين دول الاتحاد الـ27 بشأن تضمين اللائحة اسم الرئيس.
وقد يعني ذلك أن اللائحة قد تتسع لتشمل الرئيس في ما بعد، إذا لم تتغير سياسة الحكومة تجاه المعارضين.
في أي حال، لن تكون العقوبات سوى «رمزية»، على حد وصف أحد الدبلوماسيين الأوروبيين، فهي «لا تملك تأثيراً قوياً على المستوى العملي، بحكم أن الأرصدة التي تملكها الشخصيات المعاقبة قليلة عموماً في دول الاتحاد الأوروبي».
ربما كان ضعف حجم التبادل التجاري مع أوروبا مقارنة بدول آسيوية وأفريقية، سبباً في ظهور هذا التشاؤم.
وفيما يستبعد المراقبون أن تردع هذه الإجراءات دمشق عن الاستمرار في استخدام العنف مع الحركة الاحتجاجية، تظل هناك بعض المميزات التي أغرى بها الأوروبيون صديقتهم المتوسطية، مثل اتفاقية الشراكة السورية الأوروبية التي أُجِّل توقيعها لأسباب سياسية، والتي ستتأثر مباشرة بهذه العقوبات؛ إذ إن ارتباط تنفيذ هذه الاتفاقية بإصلاحات سياسية واقتصادية، سيجعلها مستحيلة التنفيذ أمام ما تنص عليه من شروط تتعارض مع ممارسات السلطة السورية اليوم تجاه معارضيها. و«تنص المادة الرابعة من اتفاقية الشراكة على أن الحوار السياسي يغطي المواضيع ذات الاهتمام المشترك، وخاصة السلام واحترام القانون الدولي والسلامة الإقليمية والاستقرار الإقليمي والأمن وحقوق الإنسان والديموقراطية والتنمية الإقليمية».
أما في ما يتعلق بما يقدمه الاتحاد الأوروبي لسوريا سنوياً من مساعدات وقروض تصل إلى نحو 210 ملايين يورو، فستصبح لمصلحة منظمات غير حكومية، بما يعني حرمان الحكومة منها.
على الجانب الآخر، سيكون لقرار العقوبات الأوروبي، إلى جانب العقوبات الأميركية المتواصلة منذ عام 2003 على سوريا، أثر سلبي على أسعار العقود الآجلة للنفط في الأسواق العالمية، حيث يرى محللون أن التأثير في سوق النفط الفورية سيكون ضعيفًا للغاية، لكنه في سوق العقود الآجلة سيكون قوياً، مشيراً إلى أن نقص 50 ألف برميل من النفط يومياً (حجم صادرات النفط السورية) سيدفع أسعار الخام إلى الصعود.
والجدير بالذكر أن إنتاج سوريا من النفط يبلغ نحو 400 ألف برميل يومياً عام 2010 مقارنة مع نحو 600 ألف برميل في تسعينيات القرن الماضي.
في أي حال، لن تكون العقوبات الدولية على سوريا سوى إجراءات في سياق طويل المدى، قد تكون بمثابة هز العصا في وجه النظام من دون أن تردعه عن مواصلته السير في سياسة بلغ عمرها أكثر من أربعة عقود.