15 أيار 2011: رحلة "العودة" انطلقت.. وإسرائيل "تدافع عن سيادتها"!

لا شكّ أنّ الخامس عشر من أيار 2011 كان يوماً مختلفاً...
في هذا اليوم، أراد الفلسطينيون في الشتات إحياء ذكرى النكبة على طريقتهم، بعيداً عن "البكاء على الأطلال" الذي لطالما اعتمدوه ولم يغيّر شيئاً في الواقع الميداني..
من وحي الثورات المنتشرة في المنطقة، ومن وحي شعارات "الشعب يريد إسقاط النظام"، تذكّر من هُجّروا من أراضيهم أنهم الأولى بإنتاج "الثورات" وتصديرها، وأنهم يجب أن يثبتوا للعالم أنهم لم ينسوا هويّتهم الأصلية بعد أن تحوّل "توطينهم" هاجساً في الدول المضيفة لهم، هاجس يفترض بهم أن يلغوه قبل غيرهم..

الشعب يريد العودة إلى فلسطين...
"الشعب يريد العودة إلى فلسطين" هو الشعار الذي حمله اللاجئون ونزلوا إلى الأرض. أرادوا أن يكون تحرّكهم رمزياً وعفوياً، مع إرادة ذاتية أن يشكّل الشرارة الأولى لـ"انتفاضة" من نوع آخر.
إسرائيل، القلقة على وجودها، استنفرت. شعرت بـ"الاستفزاز" حين رأت الشبّان يهجمون بحماسة من أدرك فجأة أنّ الأراضي الشاسعة التي يراها بأمّ العين على مقربة كليلومترات قليلة هي في الواقع أرضه. لم يسعفها أنّ الشباب لم يحملوا سوى حجارة أرادوا من خلالها "فشّ الخلق" لا أكثر. أثبتت للعالم مرة أخرى هجميتها، فلجأت فوراً إلى "القوة"، متسببة بقتل العشرات وجرح المئات على مختلف الجبهات.
سيصمت العالم، لا شكّ. لن يجد مجلس الأمن ضرورة لعقد جلسة استثنائية لادانة العنف الاسرائيلي، هو الذي حوّل نفسه إلى "المرشد" لكل قادة العالم العربي الذين "يقمعون" شعوبهم، وفق قاموسه. وهو، إذا فعل وعقد الجلسة، فسيدين تحرّك الشباب قبل ردة الفعل الاسرائيلية التي سيحاول تبريرها بطبيعة الحال.

الانجاز يقترب...
لكنّ الرعب الاسرائيلي لا يوصل إلا إلى خلاصة واحدة، خلاصة أوجزها الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله في البيان الذي أصدره تعليقاً على الأحداث حين قال أنّ الانجاز بات قريباً أكثر فأكثر.
"أنتم أيها الشرفاء حولتم بالأمس يوم النكبة إلى يومٍ آخر وبدلتم معانيها بمعان جديدة، وأثبتم لاسرائيل والصديق ان تمسككم بحقكم غير قابل للمساومة ولا للنسيان ولا للتضييع وان عودتكم الى دياركم وحقولكم وأرضكم والمقدسات حق وهدف وغاية وامل ويقين تبذل من أجلها الدماء والنفوس والتضحيات الجسام"، قال السّيد نصرالله، قبل أن يردف: " عودتكم الى فلسطين حق لا ريب فيه وهي أقرب الى الانجاز من أي وقت مضى".

عدوان سافر...
وكانت الساعات القليلة الماضية حفلت بردود الفعل الداخلية، التي لم ترتق لتصبح دولية، الشاجبة للعنف الاسرائيلي المتمادي، الذي وضعه رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان بتصرف المجتمع الدولي، ووصفه رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري بـ"العدوان السافر"، وقرأ فيه رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي تمهيداً للخطر الاسرائيلي المستمر وتحفيزاً على الوحدة الوطنية.
وفيما تقدم لبنان، عبر بعثته لدى الأمم المتحدة في نيويورك، بشكوى لدى مجلس الأمن الدولي ضد إسرائيل، معتبرا أن الاعتداء الذي نفذته اسرائيل يشكل عملا عدوانيا وانتهاكا للسيادة اللبنانية واستهتارا بقرارات الأمم المتحدة، بقيت المنظمة الدولية الحامية لحقوق الأفراد في أي مكان غائبة عن السمع، وكأن شيئاً لم يكن...
إسرائيل: دفاع عن النفس!
وتبقى الرواية الاسرائيلية لما حدث الأكثر أهمية وسط كل هذه الفوضى..
فمن يحاول أن يتحدث عن إجرام إسرائيلي وعن همجية تجسّدت مجدداً مخطئ لا بل واهم لأنّ إسرائيل بكلّ بساطة كانت تدافع عن "سيادتها"، حتى أنّ بعض المصادر الاسرائيلية حاولت "اللعب بالنار" عبر إطلاق بعض الأكاذيب على غرار القول أنّ عدداً من الضحايا الذين سقطوا في مارون الراس سقطوا بنيران الجيش اللبناني الذي يعلم القاصي والداني أنه فعل كلّ ما بوسعه لانهاء التوتر بأقلّ خسائر ممكنة..
ومن الروايات الاسرائيلية أنّ ما حدث على الحدود اللبنانية هو "استفزاز" بطلته إيران، علماً أنّ رئيس الحكومة الاسرائيلي بنيامين نتانياهو كان صريحاً حين لم يتردّد في القول أنّ هذه التظاهرات "لا تطالب بحدود العام 1967 بل تتضمن تشكيكا بوجود إسرائيل بالذات". وانتقد "أعداء إسرائيل الذين يحيون ذكرى النكبة أي الكارثة التي شكّلها بنظرهم إنشاء إسرائيل".

كلمة أخيرة...
قد لا يكون في ما حدث على الحدود أي جديد على مختلف الصعد..
فمن يؤمن بـ"حق العودة" ازداد تشبثاً به، ومن يعلم مدى الهجمة الاسرائيلية زاد إيماناً بها، ومن يعتبر في المقابل أن إسرائيل تدافع عمّا يسمّيه "حقها في الوجود" تجاهل كلّ ما حدث، وكأنه لم يكن..
لكنّ أمرين خطيرين في الرواية الاسرائيلية لا بدّ من الوقوف عندهما. أولهما محاولة إسرائيل زرع "الفتنة" في الداخل اللبناني بزعمها أنّ عدداً من الضحايا سقطوا بنيران الجيش الوطني اللبناني، وهو ما لا يمكن وما لا يجب أن يمرّ مرور الكرام. وثانيهما قول أحد الناطقين باسم الحكومة الاسرائيلية، وبالفم الملآن، أنّ القصة محدودة فمن سقطوا "أربعة فقط" باعتبار أنّ إسرائيل لو أرادت أن ترتكب مجزرة لفعلت.
"أربعة فقط"، يقول الاسرائيليون، وكأنّ أرواح العرب بلا قيمة، علماً أن القاصي والداني يعلمان أن مقتل إسرائيلي واحد كان ليتسبّب بحرب متعدّدة الجبهات. فإلى متى سيبستمرّ العرب في السكوت على هذه الاهانات التي لا تنتهي؟ وهل يمكن القول فعلاً، وبعيدا عن الشعارات، أنّ رحلة "العودة" انطلقت أخيراً؟