حين اوى الناس الى مخاعهم في مساء الرابع من حزيران 1967 كان اخر ما سمعوه ذلك النبأ الذي أذيع من واشنطب و يفيد : بأن ( الرئيس جونسون أكد أن الولايات المتحدة تكرر تعهدها بالمحافظة على الحدود الإقليمية لكل دول المنطقة بالشرق ألأوسط , و انها لن تكون الى جانب الدولة المعتدية ) و كان تصريح رئيس الولايات المتحدة هذا يمثل القمة في إستعمال ألفاظ الخداع الدولي على مستوى العالم كله , و الدخول في مؤامرات وضيعة لتحطيم شعوب و بلدان المنطقة العربية و إذلالها لصالح عصابات مغتصبة و جماعات فرضها باطل هزيل , و لعل التاريخ لا يعرف مثل هذا الأسلوب من الخداع الذي إستعملته الولايات المتحدة و ما زالت ضد الأمة العربية حيث إتضح كل شيء , لقد دبر الكيان الصهيوني أمره , و خطط لحرب بعد أن بذل مع أمريكا كل ما في وسع الفكر من أساليب الخديعة .
ففي الثامنة من صباح الخامس من حزيران كانت الطائرات الإسرائيلية تهاجم جميع المطارات المدنية و العسكرية في الجمهورية العربية المتحدة , استطاعت أن تغير عليها جميعا في وقت واحد و بأسراب متلاحقة .
استطاعت الطائرات الإسرائيلية أن تخرج من مطالااتها في الساعة المحددة و أن تطير متجهة عربا فوق البحر و بإرتفاع منخفض حتى أذا تجاوزت الإسكندرية اتجهت متوزعة في طيرانها المنخفض الى جميع المطارات تحطم ما أمكن تحطيمه و تعطب الممرات الجوية و تلقي مع صواريخها و قنابله قنابل زمنية توالي العمل في الدقائق القليلة التي تغيب فيها الأسراب المغيرة , حتى لا يوجد وقت لتلافي الكارثة أو اللحاق بالعدو .
كانت هذه المفاجأة الإسرائيلية خطيرة بالنسبة للإعداد العربي , و قد استطاعت ( أسرائيل ) أن تختار لها الطريقة التي تضمن لها نجاحها و أن تستعمل فيها كل سلاحها الجوي حتى لم تلقي في مطاراتها إلا ثماني طائرات .
و قد قبلت ( إسرائيل ) أن تقوم بهذه المغامرة التي كان من الممكن أن تنقلب شرا و دمارا عليها لو لم تنجح في تنفيذ خطتها بإتقان في سبيل التخلص من سلاح جوي عربي كان مخيفا للكيان الصهيوني و في نفس الوقت الذي بدأ فيه الغزو الجوي الإسرائيلي لمطارات مصر جميعها , بدأ الهجوم البري امنا مطمئنا , جانب عربي يقبع في الصحراء تخلو سماؤه من أية حماية جوية , و جانب إسرائيلي قصيرة خطوط إمداداته , قريب من مواقعه العامرة و المحصنة , معزز بالسلاح الجوي الذي حطم سلاح عدوه , و تفرغ لأن يكون في عون الدبابات و المشاة و المظليين .
و لقد وضح بعد أيام أن القيادة المصرية و العربية أصيبت بشلل فكري نتيجة المفاجأة الإسرائيلية , فلم يستمر توجيه الجيش الكبير و القوات المهمة المرابطة في سيناء توجيها مدروسا و مفيدا , فانفرط بذلك عقد النظام و سرى الخلل في صفوف لبضباط و الجنود المرابطين وسط الصحراء , و حين وصلت بعض الأوامر كانت مربة و مضادة , فبينما يطلب من البعض الدفاع يطلب اليه الهجوم , و بينما يطلب من البعض الإنسحاب يطلب اليه الدفلع , و كما حدث للقيادة المصرية و العربية هذا الإضطراب الخطير , حدث أيضا للكثير من القيادة العسكرية في الجبهة , و قد أوضحت محكمة الثورة بالقاهرة خلال شهر نيسان 1968 أن قائدا برتبة لواء كان يقود فرقته التي كان عددها أكبر من قوة العدو المواجهة ,و مدرعاتها أكثر و أقوى مما لدى العدو , و لم يشترك طيران العدو ساعتئذن في المعركة , و مع هذا فقد أصدر الأمر بالإنسحاب للمرة الأولى ثم للمرة الثانية , ثم إدعى أنه مطلوب في مكان بعيد و تخلى عن فرقته , الأمر الذي سبب خسائر جسيمة لتلك الفرقة التي قلتلت و هي تنفذ أمر القائد بالإنسحاب حتى إستطاع العدو أن يتغلب على دفاعها في أحد الممرات الضيقة في الصحراء ( نشر في جريدة الأهرام في نيسان 1968 ) .
لقد كان الجيش ممتدا على طول 140 ميلا فس صحراء سيناء مخيفا مرعبا ( للإسرائيل ) و لا ريب ان بعضنا يرى لو أنه بدأ الهجوم بعيد تجمعه لتغير وضع المنطقة و لتحدث العرب عن النصر الذي كانوا سيحرزونه و لعلموه لأجيال و أجيال , و لكن الرئيس جمال عبد الناصر شرح عدم البدء في المعركة و إطلاق الرصاصة الاولى و قال في 23 تموز 1967 ( لو كنا فعلنا ذذك لكنا عرضنا أنفسنا لعواقب وخيمة تزيد عما كان في مقدورنا إحتماله , و لقد كان ما سوف نواجهه هو عمل عسكري أمريكي مباشر ضدنا يجد الحجة و الذريعة من إننا أطلقنا الرصاصة الاولى ) و كأن ما حدث ليس عملا عسكريا أو ان الولايات المتحدة و ( إسرائيل ) بحاجة لسبب أو ذريعة لتقوم بعمل ما .
هل كان ممكنا أن يكون العرب البادئين بالهجوم ؟ مع تأكد تدخل أمريكا و أساطيلها و قواتها ؟
على إن إحدى وجهات النظر تتلخص في أن بدءنا بالهجوم كان سيمكننا في سرعة فائقة من تحطيم قوات ( إسرائيل ) الضيقة المساحة , سيمكن القوات العربية من أن تدخل أو تشرف على أهم المدن الفلسطينية على أقل تقدير و بذلك إن لم يفرض العرب شروطهم و الحق الهدور , فلا أقل من أن نكسب جولة في حرب طويلة مليئة بالهزائم العربية , و لا أقل من أن يتم تنفيذ قرارات ما يسمى بالأمم المتحدة بإعادة أهل الوطن الى وطنهم .
إن هزيمة عربية أمام قوات امريكا سوف لن تكون عارا جديدا يدين القيادة العسكرية العربية بعد جموع الهزائم العربية و يضفي هالة مجد على أعدائنا
و ما حدث في الجبهتين الأردنية و السورية لا يكاد يختلف إلا قليلا مما حدث في الجبهة العربية بسيناء فلقد دخل الأردن المعركة عند منتصف ليل الخامس من حزيران حيث كان القتال البري في الساعات الأولى يأخذ دور الإنتصار للجيوش العربية و احتل الأردن جبل المكبر و بدأت المدافع السورية تدك المستعمرات اليهودية و لكن ما إن اطمئنت ( اسرائيل ) على تحطيم القوة الجوية المصرية خلال ثلاث ساعات و التي كان شغلها الشاغل , حتى تفرغت لمعركتها مع الأردن و وجهت كل قوتها لإحتلال القدس التي دفعت الشهداء و الجرحى و الدمار .,
و تعلقت أنظار العرب بالجبهة السورية ذات المرتفعات المنيعة و المحصنة بالخطوط الدفاعية العسكرية المسلحة , و حين جاء السابع من حزيران كانت أخبار دمشق أن جيشها يزحف على المستعمرات اليهودية يحطمها و يحتلها , و انه في الطريق الى الناصرة ,و قضت الأمة العربية يومي الخامس و السادس من حزيران في سرور غامر , فالمعركة المنتظرة التي أعددنا لها و ربطنا بها المصير قد بدأت , و بلاغاتنا العربية الرسمية التي تنقلها أجهزة الإعلام تفيد بالنصر العربي فذكر بعضها إسقاط مئات طائرات العدو, و ذكر الاخر تقدم جنوده و ذكر الثالث أن مدنا كبيرة على وشك السقوط بيد جيشه الظافر المتقدم , و لكن الأحداث أوضحت صورة أخرى بالغة الحزن و الألم ,و تحول ذلك السرور الغامر في شعوبنا الى حزن اليم شديد و لقد كانت تلك القلوب الطاهرة في أمتنا العربية تعيش الأحداث ساعة بساعة و يوما بيوم , فقد استطاعت القوات الإسرائيلية أن توجه ثقلها الى جبهة مهمة , فتراجع الجيش السوري ككل الجيوش العربية و بلغ من ربكته ان المرتفعات لم تأخذ حقها من الدفاع , ثم أذيع سقوط القنيطرة و اضطرت سوريا ان تبعث الى مجلس الأمن شاكية ( إسرائيل ) انها لم تلتزم بوقف إطلاق النار الذي صدر في السابع من حزيران و قبلت به الأردن و مصر في 7 و 8 حزيران على التوالي و الذي لم تأبه له ( إسرائيل ) حيث كان البلاغ المصري صباح التاسع من حزيران يقول ( على الرغم من قرار وقف إطلاق النار الذي التزمت به الجمهورية العربية المتحدة و أبلغته لمجلس الأمن فإن قوى العدو ما زالت تواصل هجماتها ضد قواتنا في غرب قناة السويس و ما زالت الغارات الجوية على منطقة القناة مستمرة ).
أما في الجبهة الأردنية فقد جاء في خطاب الملك حسين في 8 حزيران : ( اننا لا نمانع في وقف إطلاق النار و نقلنا هذا الى المنظمة الدولية و الدول الأربع الكبرى , لكن المؤامرة كانت أرحب أبعادا من كل سلوك أخلاقي و إذا بالعدو يقذف بكل ما لديه من قوى أمام بقاياسيوفنا يريد أن يفلها الى الثمالة , و كان الغطاء الجوي هو سبب تفوق العدو )
أما في سوريا فقد ذكرت البلاغات الرسمية من رقم 56 الى رقم 63 الصادرة في 9 حزيران ( إن القوات اللإسرائيلية بدأت هجومها على المواقع السورية الأمامية على الرغم من أن القوات السورية التزمت بقرار مجلس الأمن و توقفت عن إطلاق النار .
و هكذا و بعد التزام العرب بقرار وقف إطلاق النار بساعات و أيام احتلت ( إسرائيل ) مساحات شاسعة من الأردن و سوريا و توقف جيشها على الضفة الشرقية لقناة السويس و فوق مرتفعات الجولان السورية و على ضفاف نهر الأردن مستحوذة على كل الضفة الغربية .
ان الوطن العربي يمثل وطنا واحدا أمام عدو واحد , و هو الن محتل بخطر مدمر , خطر لا ينوي الجلاء أو الرحيل , و لا يملك وطنا يعود اليه , فإذا لم نفق مع هذه الكارثة ترى هل نحتاج لكارثة أكبر لكي نفيق , و هل يمكن أن يكون هناك شيء أكبر من ضياع فلسطين و تشريد أهلها ؟؟؟