في ذكرى «تل الزعتر» * معن البياري

اكتملت، يوم الجمعة الماضي، 35 عاماً على مذبحةِ مخيم تل الزعتر التي قضى فيها ثلاثةُ آلاف فلسطيني، وارتكبتها ميليشياتٌ لبنانيةٌ فاشية، برعايةٍ وإِشرافٍ مباشريْن من القوات السورية التي كانت قد دخلت للتو إِلى لبنان، ويسَّرت اقترافَ تلك الجريمة التي لم تأْتِ على ذكراها الجديدةِ فضائيةٌ أَو جريدةٌ عربية، ربما سأْماً من رتابةِ استدعاءِ الأَرشيفِ المثقلِ بجوائحِ التقتيلِ الشديدةِ الوطأَةِ على الذاكرةِ الفلسطينية، كلما جدّت ذكرى واحدةٍ منها. واحتراماً لدماءِ الذين راحوا في تل الزعتر، ليس من الأَخلاقِ تناسيها هذا، سيّما وأَنَّ من شركاءِ مقترفيها في لبنان من يزهو، حتى الآن، بفعلتِهِ «البطولية» تلك، بزعمِ «الحفاظ على الوجود والاستمرارية في الشرق». أَما الشريكُ السوري، فإِنَّ استدعاءَ جريرته من تلك الأَيام يصلُ بين الدماءِ التي تسيلُ في مدنٍ وقرى وبلداتِ وأَرياف سوريا وما سال من دماءٍ فلسطينيةٍ كثيرةٍ بنيرانِه، فمن شمائلِ النظامِ الحاكمِ في دمشق استهانتُه، العتيقةُ والمستمرة، بدماءِ السوريين والفلسطينيين واللبنانيين، والعراقيين تالياً، صدوراً، على الأَغلب، عن «القومية» التي يعتنقها.

تعمَّدَ المجرمون من «نمور» كميل شمعون و»كتائب» بيار الجميل إِزالةَ مخيم تل الزعتر وتدميره، وكان ساكنوه الـ»30» ألفاً الأشدَّ فقرا بين فلسطينيي لبنان منذ إقامته في 1949، وانضم إليهم نحو 15 ألف لبناني، وقد تعرضوا على مدى سبعةِ أَسابيع إلى 55 ألف قذيفة، بعد حصارٍ تجويعيٍّ قاسٍ استمرَّ أَربعةَ شهور وقتلَ 300 طفل. وفي التفاصيل، أَنَّ الحركةَ الوطنيةَ اللبنانية حاصرت بلدة زحلة معقل مسيحيي شمعون، واعتبرت سكانَها رهينة، لمنعِ ضرب «تل الزعتر»، غير أَنَّ تدخلاً عسكرياً سورياً رفع حصارها، واستهدفَ قوات منظمة التحرير ومسلحي القوى اللبنانية التقدمية، وأَتاحَ لأولئك الفاشيين القدومَ إِلى تل الزعتر، وبإِشرافِه، ارتكبوا فظاعاتِ التقتيل والاغتصاب. وحسب شهودِ عيان، كانت القواتُ السورية، في الأَثناء، تمنعُ وصولَ أَيةَ إِسعافات، وإِنَّ الميليشيات المجرمة كانت تتنافسُ في ذبح أَكبر عددٍ من الفلسطينيين، وبمشاركةٍ إِسرائيليةٍ على ما رُويَ لاحقاً، وكان صمودُ أَهلِ المخيم والمقاتلين الفلسطينيين في أَثناءِ الحصار ونازلةِ القتلِ المجنونةِ باهراً واستثنائياً.

لم تبالغ ناجيةٌ من تلك المجزرة في قولِها إِنها الأَبشعُ في التاريخِ بحقِّ الشعب الفلسطيني، ولذلك، تعدُّ التعمية الدائمة عليها معيبةً، بذريعةِ عدمِ نكءِ الجراحِ بحسبِ الرطانةِ إِياها. وفي غضون إِسنادِنا الواجبِ ضحايا العسفِ الدمويِّ بحقِّ الشعب السوري والمستمر منذ خمسةِ شهور، من المناسبِ التأْكيدُ على انعدامِ أَخلاقيةِ النظام الحاكم في دمشق، في تبديلِ تحالفاتِه وسمسراتِه وبحثهِ عن مصالحِهِ في لبنان وغيرِه، وفي الموضوعِ الفلسطيني منذ 40 عاماً أَيضاً، وكذا التذكير الدائم بسوءاتِه «العروبية» في هذه العقود، ومنها الإِبادة التي يسَّرَ ارتكابَها ضد آلافِ الفلسطينيين اللاجئين في مخيمٍ تعيسٍ كان اسمُه تل الزعتر، والتضييقُ الدائمُ على من تبقّى من فلسطينيين في مخيماتِ الشقاءِ في لبنان، وكذلك التخريبُ المديدُ في منظمة التحرير بإِحداثِ الانشقاقاتِ والانقساماتِ فيها. وفي الوسعِ أَنْ يُقال، ومن دون شطط، إِنَّ مآثر النظام المذكور ضد الفلسطينيين وكيانيَّتِهم وقيادتَهم تُكذِّبُ كل الدعاوى الممجوجةِ عن نُصرتِهِ نضالَهم، وقد جيءَ، في هذا المطرح، على مرورِ 35 عاماً على مذبحة «تل الزعتر» للتأشير إِلى هذه البديهية، وكذلك، لأَنَّ خيط الدمِ واحدٌ في ذلك المخيم الذي كان وحماة وأدلب وحمص وكل أَريافِ سوريا ومدنِها وقراها وبلداتِها الشجاعة.