علامات على الطريق - مخيم اليرموك يعزف لحن الوداع الأخير “ ذكرى المناضل زيد أبو العلا “

زيد أبو العلا، ولد في شفا عمرو عام 1944، وبعد أربع سنوات وجد نفسه لاجئا في مخيم اليرموك وهو أكبر مخيمات اللجوء المحيطة بدمشق، وهي مخيمات اليرموك، وخان الشيخ، وجرمانة، واسبينة، بالإضافة على الوجود الفلسطيني في بقية أحياء مدينة دمشق وقرى ريف دمشق .
وفي سن مبكرة جدا بالنسبة له، أطلقت حركة فتح رصاصتها الأولى، إيذانا بانطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة، وكان أن لبى النداء، وفي عام 1968 ذهب في دورة عسكرية إلى الصين، وفي التاريخ الفتحوي تسمى بدورة الصين الثانية، وفي خضم القافلة العظيمة تنقل في أدوار مختلفة، ومهمات مختلفة، فدائي، يبني أول قواعد الفدائيين في أغوار الأردن، وكان آخرها في دبين في الشمال الأردني، ثم في الجنوب اللبناني مرورا من ممر عربة الجبلي في سفوح جبل الشيخ الذي كان من طليعة من ارتادوه عمه المناضل الكبير روبين أبو العلا، ثم أنتقل في فترة ما إلى قوات المليشيا الفتحوية، وهي القوات التي لديها خصوصية، حيث هي أكثر التصاقا بسكان المخيمات، ومؤهلة لحمايتهم والدفاع عنهم، ثم استطالت به مواقع النضال سفيرا لفلسطين في أوغندا ثم سفيرا لفلسطين في أثيوبيا التي تضم قيادة الاتحاد الأفريقي، وتقاعد وذهب إلى رام الله ليشارك في مؤتمر فتح السادس الذي عقد في بيت لحم، ولم يمكث في الضفة الغربية طويلا، فعاد إلى الأهل في مخيم اليرموك، وقبل أيام قليلة خرج مخيم اليرموك في جنازته، وعزف أهله وأهل مخيمه لحن الوداع الأخير .
من الطبيعي أن يستجيب زيد أبو العلا لنداء فتح، نداء فلسطين، في وقت مبكر من حياته، فقريته في فلسطين شفا عمرو لها إسهام كبير في محطات النضال الفلسطيني ووالده الحاج خضر علي أبو العلا نفسه كان من المجموعات الأولى مع الشيخ عز الدين القسام، كما أن القائد الوطني المعروف صبحي ياسين كان من بين رموز شفا عمرو في محطات النضال الفلسطيني، وكانت عائلة أبو العلا مثل غيرها من العائلات الفلسطينية تشتت مع رياح الغربة والنكبة إلى أماكن كثيرة، فقد تواجدت عائلته في نهاية شارع اليرموك في المخيم الكبير، كما أن أبناء عمومته كانوا موجودين في مخيم عين الحلوة مثل روبين أبو العلا وهم من قيادات فتح الأوائل، بل وصل شتات العائلة إلى مخيم البداوي القريب من مدينة طرابلس في شمال لبنان .
حركة فتح في ثورتها الكبرى الشاملة التي انطلقت في منتصف الستينيات جعلت المسافات المستحيلة ممكنة، وجعلت الوجع الفلسطيني ممكن الاحتمال من خلال الأمن الذي أضاء حياة الفلسطينيين وحول مخيماتهم البائسة الحزينة إلى قواعد تضج بالحياة الجديدة، وجعل الهوية الفلسطينية المبعثرة في أشكال قانونية وسياسية ومعيشية مختلفة ومتناقضة في بعض الأحيان، تتلملم بشكل يفوق الدهشة، وتخطي حدود المعجزة، فكيف كان يمكن أن يلتقي اليافاوي الذي يعيش في سوريا مع الذي يعيش في الأردن مع الذي يعيش في القاهرة مع الذي يعيش في غزة مع بعضهم إلا في حضن فتح، وتحت سمائها ؟؟؟ ومعروف أن كل عائلة فلسطينية، حتى العائلات الصغيرة في القرى التي كانت تتجمع حول طبلية طعام واحدة، ضربها زلزال النكبة المفجع فتحولت إلى أشلاء أشتات لا يجمعها سوى معجزة تفوق الخيال، من نوع القيامة، وكانت القيامة الفلسطينية على يد فتح في مطلع عام 1965، آه ... انتهاء الأجيال الفلسطينية الراهنة، يجب أن تتذكري كل ذلك، وأن تظل روح القيامة ساكنة فيك، في العقل والوجدان .
ومثل الكثيرين من أبناء ذلك الجيل، فإن الفتحوي كان عليه أن يكون مؤهلا وكامل الجاهزية للتشكل بحيث يكون في ذروة الحضور، لا وقت لديه لترف البكاء، ولا خداع لديه ليسلم رقبته إلى الآخرين، في كل لحظة، كان على الفتحوي أن يكون جاهزا، بعض الفدائيين الذين أصبحوا سفراء، سجل علامات فارقة في تاريخ الدبلوماسية !!! وبعض أبناء المخيمات الذين انتموا إلى الثورة وهم في مقتبل العمر، أدهشوا الأمة من حولهم بمبادراتهم الملهمة وهم يبنون قواعد الفدائيين، ويبحثون عن الأمان في قلب مناطق الخطر، ويستعيرون قبسا من النيران لكي يشعلوا بها جبال الجليد! ذلك زمن الثورة، زمن المبادرة، زمن تفوق الإنسان على نفسه، وإطلاق الإنسان الفلسطيني حلمه العادل في مدى بلا حدود .
يلزمني الكثير لو أردت أن أسجل لصديقي العزيز زيد أبو العلا بعضا من سيرة حياته، ولكني قبل أيام من خبر رحيله كنت أتصفح الكتاب الذي ترجمه زيد أبو العلا وأضافه إلى المكتبة العربية، وهو كتاب علي الأمين مازوري وعنوانه «قوة الثقافة في السياسة الدولية» وهو كتاب مهم جدا وخطير جدا من فصيلة كتاب الدكتور إدوارد سعيد عن الإستشراق، وكنت أبحث في بعض فصول الكتاب عما يعينني على فهم ما يجري من حولي في المنطقة ومواقف الدول الكبرى، ومعاييرها المزدوجة، ومقاييسها الملتبسة!.
أنظروا إلى هذا الفدائي زيد أبو العلا، أصبح فدائيا يحمل البندقية في العشرين من عمره، وانتهى به المشوار ليكون دبلوماسيا مرموقا، وكاتبا ومفكرا يتابع الرؤى الثقافية التي تسيطر على حياة الناس في هذا العالم.
يا صديقي العزيز زيد أبو العلا، أرفع لك يدي بالتحية، وأسجل في حدائق الذاكرة أسمك الجميل، فلك السلام.