علامات على الطريق-الشقيقة مصر وقطاع غزة؟؟؟

بقلم : يحيى رباح
التوقع بأن الشقيقة مصر هي الأقدر على إحداث اختراق إيجابي في الحالة الفلسطينية الراهنة، حالة الانقسام، وحصار قطاع غزة، وتدهور مرتكزات الحالة الاقتصادية والمعيشية، وتداعيات كل ذلك أمنياً وسياسياً، هي توقعات في محلها، لأن الدول تتحرك بشكل أكثر جدية عندما يتعلق الأمر بمصالحها الحيوية، وخاصة عندما تصل الأمور إلى المصالح والاستراتيجيات المتعلقة بالأمن القومي لهذه الدول، والشقيقة مصر ليست استثناءً من هذه القاعدة الذهبية.

الوضع الفلسطيني الطارئ، وهو الانقسام، طال أكثر مما يجب، وأخذ يعيد إنتاج نفسه بتداعيات خطيرة جداً، سواء على صعيد السلوك الإسرائيلي، أو على صعيد التشنجات الإقليمية الأخرى التي ترى من مصلحتها استثمار هذا الوضع الشاذ وهو الانقسام بما يخدم رؤاها ونفوذها، وقد رأينا في الأسبوعين الأخيرين مشاهد سافرة تتجاوز الخطوط الحمراء، فقد رأينا في دمشق قمة، ثالث أطرافها بالإضافة إلى الرئيسين السوري والإيراني رئيس حزب الله حسن نصر الله!!! كما رأينا في طهران قمة من نوع آخر على رأسها مرشد الجمهورية الإيرانية خامنئي ومعه رهط من قادة الفصائل الفلسطينية في دمشق التي جسدها هنا ورأسها هناك!!!

وعلى المستوى الإسرائيلي: فإن قواعد اللعبة تتغير مع حكومة نتنياهو، والبحث يجري في الدوائر الإسرائيلية عن حل خارج رؤية الدولتين، حل يقوم على توسيع قطاع غزة، لأن مشكلته متفاقمة وانفجاره قادم، وإسرائيل لا تريد أن تتحمل نتاج هذا الانفجار الحتمي، فتبحث له عن حل هناك، في سيناء، عبر اقتراحات ورؤى بعضها جدي وخطير وبعضها تهويمات في الخيال، ولكن الملخص أن إسرائيل تقول لجيرانها العرب، وخاصة الشقيقة مصر، تحملوا أنتم العبء، وادفعوا أنتم الثمن!!!

موضوعياً: الشقيقة مصر هي الشريك الأكبر، وهي العنصر الأكثر فعالية في المعادلة، ورغم الصراخ الذي يأتي من هنا وهناك، فإن الجميع يعلمون أن القادر على إحداث الاختراق هو الشقيقة مصر وليس اللاعبون الآخرون صغاراً كانوا أم كباراً!!!
ومصر هي صاحبة الدور الأكبر ليس فقط من جانب الهم القومي، وحجمها في النظام الإقليمي العربي وقضاياه الرئيسية!!! بل من جانب أن الوضع في قطاع غزة يدخل في صميم احتياجات وضرورات أمنها القومي، وهي أكثر من غيرها تعرف أن الوضع الشاذ القائم ومهما حاصرناه أو أحطناه بالإجراءات الدقيقة، فإنه قادر على النفاذ وإعادة إنتاج نفسه بأشكال أكثر خطورة، فحين يكون مليون ونصف مليون فلسطيني، محاصرين في هذا الوضع الشاذ، يتفاعلون ويتكاثرون ويتفاقمون، فإن انفجارهم السلبي يصبح حقيقة واقعة لا محالة، وكل انفجار له شظايا، وكل انفجار له ضحايا، ولابد من تنفيس القدر الذي يغلي، ولابد من إخماد الحريق الذي يصطهيج!!!

ولعل الجميع يعلمون، أن الجهد الذي بذلته الشقيقة مصر في الحوار الفلسطيني، وفي بناء معادلة المصالحة، وفي ترتيب بنود وأولويات الورقة المصرية، يؤكد أن الشقيقة مصر هي الأكثر إلماماً بمعطيات المأزق الداخلي الفلسطيني، وأن أطراف هذا المأزق جميعاً ودون استثناء، وحتى الذين يعتمدون على مرجعيات أخرى، بحثوا في كل مكان عن بديل، فلم يجدوا أجدر وأكفأ وأكثر موضوعية من الورقة المصرية!!! ولكن الورقة المصرية لا تكمن أهميتها القصوى في ذاتها، بل في تنفيذها، بدءاً من التوقيع عليها، ثم الشروع في تنفيذها بآليات وبعد نظر ومرونة تسمح بأن يكون هذا التنفيذ قابلا للحياة والتطور وتفعيل النجاح.
مازال هناك هامش قليل من الوقت قبل انعقاد قمة طرابلس، وفي هذا الهامش الضيق من الوقت، فإن الشقيقة مصر ربما تسعى إلى إحداث اختراق، خطوة نوعية، حركة محددة إلى الأمام في المصالحة، لأن هذا الاختراق سيكون أيضاً عاملاً من عوامل نجاح القمة المهددة بالكثير من عوامل الفشل وعوامل التشتت، ومصر حين تكون في القمة لن تسمح لأي نوع من التلاعب في موضوعات تتعلق بضرورات أمنها القومي، ومن بوابة الوضع الفلسطيني ستسد الطريق أمام تلاعبات محتملة!!! ولذلك نحن نتوقع خطوة مصرية قبل القمة، بحيث يطرح موضوع الانقسام الفلسطيني على القمة من خلال صياغة دقيقة محددة، وليس فتح الباب أمام سجالات بلا حدود، وألعاب ومغامرات ومزايدات تؤدي إلى مزيد من التشظي في الوضع الفلسطيني، وإلى جراح جديدة في سجل الخلافات العربية.
نشد على يد الشقيقة مصر، ونثق بأن لديها كل الأسباب التي تجعلها تحمل الهم الفلسطيني بأكبر قدر من الأمانة والمسؤولية.