بعد مرور ثلاث سنوات على الأزمة الاقتصادية العالمية يحذر الخبراء الاقتصاديون من أزمة جديدة أسوأ من أزمة الرهن العقاري، متوقعين أن يشهد العالم إرهاصات لها بسبب ارتفاع الديون السيادية الأوروبية وعجز أمريكا عن حل أزمتها الاقتصادية, وعدم ربط الدولار بسلة من العملات.
وأوضح هؤلاء المختصون أن عدم تصحيح الوضع الاقتصادي في أمريكا وأوروبا ساهم في اتساع عمق الأزمة, محذرين من دخول الاقتصاد العالمي في حالة من الركود الاقتصادي.
وقد تدهورت الأسواق المالية في مختلف دول العالم وخسرت مليارات الدولارات جراء أزمة الرهن العقاري التي أدت إلى إفلاس العديد من البنوك الأمريكية والأوروبية.
أزمة عاصفة
أستاذ الاقتصاد في جامعة بيرزيت د. نصر عبد الكريم أكد في حديث لـ"فلسطين" أن ارتقاب العالم لأزمة اقتصادية عاصفة لها ما يبررها نتيجة تصاعد أزمة الديون السيادية الأوروبية وعدم علاج أزمة الديون الأمريكية علاجاً جذرياً.
وأرجع عبد الكريم تعاظم الأزمة الاقتصادية إلى الاضطرابات السياسية في بعض مناطق العالم وتراجع خلق فرص العمل ووصول البطالة في الدول الصناعية إلى مستويات عالية.
وبين د. عبد الكريم أنه على الرغم من عمق الأزمة أوروبياً "الديون السيادية" إلا أن الجميع يجهل مدى الضرر الذي يمكن أن تلحقه بالاقتصاد العالمي وكم يبلغ عمقها ومتى ستحدث؟
وأوضح أن انهيار النظام المصرفي الأوروبي صعب لأن هناك العديد من الجهات التي ستتدخل لمنع حدوث ذلك, ومن بينها البنوك المركزية التي ستحمي البنوك الأوروبية من الانهيار"البنوك المتضررة ستجد من ينقذها".
وأشار د. عبد الكريم إلى أن الغرب لن يترك منطقة اليورو تنهار على اعتبار أن انهيارها يعني انهيار أوروبا, لذلك لجأت بعض الدول إلى دعم بنوكها المحلية مما أدى إلى عودة الثقة في الأسواق المالية بشكل جزئي خلال الأيام الماضية "ارتفعت الأسهم في السوق العالمي وانخفض سعر الذهب وتراجع الدولار أمام اليورو".
وأضاف: إن "الصين أعلنت عن استعدادها لشراء بعض الديون السيادية الأوروبية في مسعى منها لتخفيف من حدة الأزمة ومنع تعاظمها", موضحا أن الصين تتقدم على الصعيد الاقتصادي وأصبحت تحقق مركزاً هاماً" المركز الثاني عالميا".
الصين قادمة
وتابع د. عبد الكريم: "إن الاقتصاد الصيني حقق نمواً اقتصادياً كبيراً خلال العشر سنوات الماضية, وأنها تحتاج إلى سنوات إضافية حتى تكون صاحبة قرار في الاقتصاد العالمي".
وأكد أنها يمكن أن تنافس أمريكا والاتحاد الأوروبي في صياغة الأجندات العالمية, وأن تساهم في إعادة ترتيب النظام النقدي العالمي".
ولفت د. عبد الكريم النظر إلى أن الاقتصاد العالمي يدخل في حالة من الركود نتيجة تراجع الدخول حول العالم وارتفاع الأسعار" انخفاض القوة الشرائية للمواطنين", كما أرجع انكماش الاستهلاك العالمي إلى فقدان الثقة بالمستقبل الاقتصادي الأمر الذي أدى إلى ميل المستهلكين إلى الادخار" الدوران الاقتصادي ضعيف, وغياب فرص العمل عمق من الأزمة الاقتصادية العالمية".
انهيار أوروبي
من جانبه, أوضح المحلل الاقتصادي محسن أبو رمضان في حديث لـ"فلسطين" أن ترقب العالم لأزمة اقتصادية أعمق من أزمة 2008 يرجع إلى تعاظم أزمة الديون السيادية الأوروبية, وعجز الولايات المتحدة الأمريكية عن خفض ديونها السيادية.
وأكد أن استمرار الديون وتفاقم حدتها في أوروبا أدى إلى فقدان العملة الأوربية "اليورو" لقيمتها, موضحا أنه يمكن أن تنهار بعض المصارف الأوروبية كما حدث في أزمة الرهن العقاري 2008.
وأضاف أبو رمضان: إن "وقوف العالم على أبواب أزمة جديدة جاء نتيجة فقدان الدولار قيمته كعملة احتياطية, وأن ارتفاع قيمة الديون السيادية الأمريكية إلى حوالي 16 تريليون دولار ساهمت في إضعاف قيمته خلال الشهور الماضية".
وبين أن دراسة حقيقة الأوضاع الاقتصادية تساهم في إيجاد الحلول المناسبة للأزمات الاقتصادية, مطالباً بإعادة ربط الدولار بالذهب أو ربطه بسلة من العملات العالمية حتى تعود الثقة له ويقوى الاقتصاد " انهزت المصداقية في أن الدولار قوي بحد ذاته".
ونوه أبو رمضان إلى أن الأضرار الاقتصادية لن تقتصر على الدول الأوروبية وأمريكا بل ستطال مختلف دول العالم" العرب ليسوا بمعزل عنها"؛ لأن العديد من الدول تتعامل بالدولار واليورو "أي ضربة يتلقاها الاقتصاد العالمي تؤثر على جميع الدول حتى لو كانت صغيرة أو اقتصادها ضعيف".
ولفت النظر إلى أنه في الوقت الذي تتراجع فيه أمريكا والاتحاد الأوروبي اقتصاديا تتعاظم قوة الصين اقتصاديا, وأن معدل الناتج القومي الإجمالي الصيني يتصاعد سنويا ويقدر بحوالي 10% سنويا.
وأرجع أبو رمضان انكماش الاستهلاك العالمي إلى غياب النقد وضعف دوران الإنتاج والبنوك, وتفضيل الأفراد الادخار على الاستهلاك, وفشل الدول في توفير فرص عمل.
وتصاعدت الأزمة المصرفية في أوروبا بسبب توجه المقترضين إلى الاقتراض بالدولار بدلاً من اليورو.
وتجدر الإشارة إلى أن الدول العربية ليست بعيدة عن آثار الأزمات الاقتصادية وذلك لارتباطها الوثيق بالاقتصاد العالمي, كما أن عملتها ترتبط بالدولار الأمريكي ودخلها القومي من النفط بنفس العملة, بالإضافة إلى استثمار دول الخليج لأموالها في السندات السيادية الأمريكية.