أحكام بالسجن على 36 معارضاً بحرينياً

أصدرت محكمة السلامة الوطنية، اليوم، أحكاماً بالمؤبّد بحق 14 معارضاً بحرينياً بتهمة قتل آسيوي هو عبد المالك غلام رسول باكستاني الجنسية، فيما قضت ببراءة علوي العلوي من الواقعة. زوجة العلوي تسرد قصته ليلة صدور الحكم في رسالة لـ«الأخبار» وتعرض بعض مغالطات القضية...

هل تفترس أنياب الحكم الطائر المغرد؟

ما إن تلفظ كنيته حتى يعرفه الجميع. منشد ديني، يُعرف بالرادود «أبو غايب». اسمه علوي سيد محسن العلوي. يحرص دائماً على تأدية الواجبات الاجتماعية، ولديه علاقات واسعة مع الناس بكل مستوياتها. محبوبٌ من الجميع. شخصٌ ورعٌ ومتدين. لحق بركب الزوجية متأخراً. لديه ابنة وثلاثة أبناء. البنتُ عُمرها 10 سنوات، وأصغر الأولاد يبلغ عاماً واحداً.

كان ضيفاً دائماً في سجون النظام عند وقوع أي أزمة أو منعطف سياسي. ليس لأنه سياسي، لكن يبدو أن مكانته الاجتماعية لها أثر واضح، علاوة على أثر الكلمات والأناشيد الدينية التي تُصنّفها الحكومة في خانة السياسة. في التسعينات صُمّدت عيناه داخل المعتقل لما يُقارب الأربعة شهور. انتهت بتمزق في الشبكية. عمره تجاوز حالياً الخمسين عاماً ولا يزال أسير سجون النظام.

حادثة 13 آذار

كان بلطجية النظام قد انتشروا في كل المناطق والمدن لإثارة الرعب في نفوس الأهالي، ولحرف مطالب المحتجين السياسية وتحويلها إلى حرب طائفية، إحدى حيل النظام الفاشلة. في حينها، باع العديد من العمال الآسيويين ضمائرهم بحفنة من المال، لترويع الآمنين في الأحياء مما اضطر الأهالي إلى التصدي لهم. وكانت أحياء المنامة إحداها.

في تلك الليلة، وعند الساعة الثامنة مساءً، كان أبو غايب مع العائلة يتناول العشاء في شقتنا الواقعة في الدور الأول. سمعنا أصوات أقدام تجري. أطل من النافذة. نزل مُسرعاً وعاد بعدها مباشرة في أقل من عشر دقائق. سألته عما يجري، فقال إن أحد الآسيويين حاول الاعتداء على الأهالي فتصدوا له. أمسك الهاتف وطلب الإسعاف، ثم أطل من النافذة ثانيةً حين سمع صوت صفارات الإسعاف، ليرى بعدها الآسيوي يغادر، راكباً سيارة الإسعاف.

ليلة الاعتقال 17 آذار

بعد موجة التمشيط والمداهمات والاعتقالات، التي بدأت بعد دخول القوات السعودية، بدأت أخاف من أن يُعتقَل زوجي. كان يُطمئنني: لم أفعل شيئاً، أنا لست سياسياً. أزيحي هذا الوساوس من رأسك، لمَ نخاف ما دمنا لم نفعل شيئاً؟

في تلك الليلة كنا نائمين، لكن صوتاً عالياً أشبه بالانفجار أيقظنا مذعورين. العسكر يداهم باب العمارة حيث نسكن. وخلال ثوانٍ، طَرقات قوية باليد والركل والسلاح على الباب الخشبي. ما إن فتحه زوجي حتى جاءته ضربة قوية في البطن من ملثم أمام مرأى أطفاله الأربعة، الذين تكوموا على بعضهم البعض. انتشر بعدها بقية الملثمين في شقتنا الصغيرة، أحصيتهم على عُجالة. كانوا 12 ملثماً، اثنان منهم بلباس عسكري، أخذوه إلى حيث أجهل، معتقلين جارنا الذي يسكن في الأعلى.

أصبحت العمارة خاوية من سكانها. الغريب في الأمر أنه بعد أربعة أيام من المداهمة، أعادوا الكرّة ودوهمت الشقة مرّة ثانية بحثاً عنه. وكسروا باب الشقة وبعثروا محتوياتها. وجدوا مبلغاً مالياً كان مخبأً أمانة لديه. سرقوه ومضوا.

شهران بقي فيهما بملابس النوم. حسبته ميتاً. كل الكوابيس مرّت بذاكرتي حتى جاءنا اتصال يطلب إحضار ملابس له إلى دائرة التحقيقات الجنائية. شعرتُ بالارتياح، فهو لا يزال على قيد الحياة. قبل إكمال شهره الثالث في المعتقل، وردنا اتصال في تمام الساعة العاشرة مساءً يفيد بأن «غداً في الثامنة صباحاً ستجري المحاكمة، عليكم بتوكيل محامٍ». صُعقت، أيّ محاكمة؟ أين أجد محامياً في تلك الساعة؟ ومن سيكون مستعداً للترافع عنه؟ وما هي التهمة الموجهة إليه؟ أسئلة بلا أجوبة تدور في رأسي كأنّها الموت.

لقاؤنا الأول بعد تلك الغيبة كان في المحكمة بعد ثلاثة شهور. آهٍ، لا يزال نابضاً. أدركنا في المحكمة فقط التهمة الموجهة إليه: القتل العمد! أيعقل، هكذا تُلصق التهم!! ما عُدت أعبأ بشيء ما دام في تلك اللحظة بقربي. بعد المحكمة سُمح لنا بالحديث معه لمدة 10 دقائق، لكنه كعادته أخفى ألمه وراء ابتسامته.

لاحقاً، صدر أمرٌ ملكي بإلغاء المحاكم العسكرية، وقبل النطق بالحكم بجلسة واحدة. جاءنا اتصال في الساعة الثانية والنصف صباحاً بالإفراج عنه. طرنا نسابق حلمنا لأخذه، أمضى معنا أقل من 24 ساعة. لم يمهلنا زوار الفجر، حتى عادوا في نفس الموعد وأخذوه ثانية «ليُكمل بقية الإجراءات وسيعود بعد قليل»، هكذا قالوا. هذا القليل امتد أكثر من ثلاثة شهور أخرى في سجن الحوض الجاف. هناك انتظمت الزيارات والاتصالات.

كان الضباط يعدوننا بالإفراج عنه في كل الأسبوع، ثم الذي يليه، وهكذا حتى جاء موعد النطق بالحكم في 3 تشرين الأول. وأنا على يقين بأنه لن يتعدى الدقائق. ها هي ساعاتٌ تفصلنا الآن عن الغد. أضحت دهراً، لكن الأمل يُراودنا بأن نعود به أو إلى مكان آخر، عرفه عندما كان شاباً وعندما هرم. هناك حيث يبدأ رحلة البعد عن الصغار وعن السماء بدون خطوط.

الرواية الرسمية:

المتهمون جميعاً:

قتلوا عمداً آسيوياً باستخدام «ألواح خشبية وسيوف وأسياخ حديدية». حدث ذلك عندما خرج من منزله هارباً فانهالوا عليه بما لديهم من أسلحة، كما أتلفوا كافة محتويات المبنى وبابه الخارجي، كذلك اعتدوا بالضرب على آسيوي آخر.

الدفاع :

المحاكم العسكرية غير مختصة بالتحقيق في هذه الجرائم المدنية، لم يعايَن مكان الجريمة المفترض مع خلوه من أي أدلة أو بصمات أو آثار. كل مصادر الاتهام صُنّفت بأنّها سرّية، بالتالي كل التحريات لا يمكن الاعتماد عليها. تباين واضح بين شاهد الإثبات (شقيق المجني عليه) والمتهمين من حيث مكان وقوع الحدث. الشاهد ذكر أن الواقعة جرت داخل الشقة خلافاً لما قاله المتهمون، أي خارج المنزل.

لم يجرِ التحقق من أيّ إتلاف لمحتويات المنزل من قبل أيّ كان. أثبت تقرير الطبيب الشرعي أن الإصابات نتجت عن المصادمة والاحتكاك. وهذا يناقض إفادة الضابط. تقرير الطبيب الشرعي أثبت تعرض المتهمين للتعذيب المادي والنفسي القاسي لانتزاع الاعترافات.

مغالطة إضافية في القضية. الحادثة التي تكلم عنها المتهمون جميعاً وقعت في مجمع 301، فيما ذكر شاهد الإثبات أنها وقعت في مجمع 304.