"إسرائيل" عندما تعتذر

أجبرت تركيا "إسرائيل" مساء الأربعاء 13-1-2010 على الاعتذار لها رسميا على واقعة "إهانة" سفيرها في تل أبيب، حسبما ذكرت الصحف التركية والإسرائيلية الصادرة الخميس 14-1-2010.

وكان نائب وزير الخارجية الإسرائيلية "داني أيالون" قد استدعى السفير التركي "أحمد جليلقل" لمقره في الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) الاثنين 11-1-2010 واضطره للانتظار مدة طويلة قبالة باب موصد وأجلسه على مقعد منخفض مقابل مقاعد مرتفعة للموظفين الإسرائيليين.

ولم يكتفي أيالون بذلك بل قال أمام كاميرات التلفاز إنه يرفض مصافحة السفير وإن الأمر الجوهري أن يرى العالم أنه يبدو "منخفضا" بينما نحن "مرتفعون"، وإن "هناك علما إسرائيليا فقط على المائدة بيننا".

وقصد أيالون من استدعاء السفير التركي تقديم احتجاج بلاده على مسلسل "وادي الذئاب" الذي يبثه التلفاز التركي والذي يتضمن مشاهد تصور ممثلين أتراك في زي جهاز "الشين بيت" (جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي) وهم يختطفون الأطفال الرضع.

وردا على هذه الإهانة، نقل التليفزيون الوطني في تركيا عن الرئيس "عبد الله جول" قوله إن بلاده ستستدعي سفيرها في "إسرائيل" ما لم يتم حل الخلاف المتعلق بمعاملة سفير بلاده هناك والاعتذار له رسميا قبل حلول منتصف ليل الأربعاء.

وقال جول: "إذا لم يتم حل المسالة هذا المساء، فسيعود سفيرنا على أول طائرة (غدا) الخميس".

"خطاب رسمي"

وبالفعل ذكرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية أن رئيس الوزراء التركي "رجب طيب أردوغان" أعلن الأربعاء أن بلاده تلقت اعتذارا رسميا من تل أبيب بشان المعاملة المهينة التي تلقاها السفير التركي هناك، قائلا: "هذه هي ردة الفعل التي توقعناها وكنا نريدها".

وكشفت الصحيفة الإسرائيلية مقتطفات من خطاب الاعتذار الرسمي الذي كتبه أيالون وأرسله إلى السفير التركي حيث قال فيه: "لم أقصد إهانتكم بشكل شخصي واعتذر على الطريقة التي قدمت بها احتجاجي" على مسلسل "وادي الذئاب".

وأضاف: "أرجو أن تنقلوا اعتذارنا هذا للشعب التركي الذي نكن له احتراما كبيرا".

وذكرت "هآرتس"، نقلا عن مسؤولين إسرائيليين، أن خطاب الاعتذار الرسمي جاء تتويجا لمشاورات طويلة بين أنقرة وتل أبيب وبعد مشاورات مكثفة بين وزارة الخارجية الإسرائيلية ومكتب رئيس الوزراء "بنيامين نتنياهو".

وقال نتنياهو في بيان إنه يأمل "أن يكون الموضوع قد تم حله"، كما أعرب 16 عضوا بالكنيست الإسرائيلي عن أسفهم بشأن "السلوك غير اللائق" الذي صدر عن أيالون وفق رسالة بعثوا بها إلى السفير التركي.

تركيا تُملي شروطها

من جانبها أكدت صحيفة زمان التركية نبأ تقديم "إسرائيل" اعتذار رسمي لتركيا، لكنها قالت إن أردوغان واصل فرض شروطه على إسرائيل قائلا إنها "ينبغي أن تضبط نفسها أكثر وأن تبذل مجهودا أكبر من أجل إحلال السلام بينها وبين العرب".

وكان أيالون قد ألمح صباح الأربعاء إلى شعوره بالأسف لإهانته السفير التركي لدى بلاده، في محاولة لتخفيف الأزمة الدبلوماسية التي زادت من سوء العلاقات المتوترة أصلا بين البلدين.

وقال: " ليس من عادتي إهانة السفراء الأجانب، وفي المستقبل سأوضح موقفي عبر قنوات دبلوماسية أكثر قبولا".

كما علق نتنياهو علنا للمرة الأولى منذ انفجار الأزمة، مؤنبا الدبلوماسي الإسرائيلي برفق على سلوكه، ومعلنا "رضاه" عن اعتذار أيالون.

لكن تركيا لم تقبل هذا الشكل من الاعتذار الذي جاء ضمنيا، وذكرت وسائل الإعلام هناك أن أنقرة تريد اعتذارا رسميا من تل أبيب بحلول منتصف ليل الأربعاء كمهلة نهائية.

"سلوك غير لائق"

بدوره صبَّ نائب رئيس الوزراء، "بولنت أرنيش"، جام غضبه على الخارجية الإسرائيلية: "هذا سلوك غير لائق وإن كنَّا لا نستبعد أن يصدر منهم إلا أنه لا يعني أننا سنتسامح فيه"، بحسب ما نشرته صحيفة "حريت ديلي نيوز".

وتضامنت المعارضة العلمانية مع الحكومة في بث غضبها في وجه "إسرائيل"، مطالبةً إياها بالاعتذار؛ حيث وصف "دولت باهشتلي"، زعيم حزب الحركة القومية، السلوك الإسرائيلي مع السفير التركي بأنه "وقاحة". وقال "أونور أويمن"، القيادي في حزب الشعب الجمهوري إنه "لا توجد دولة لها الحق في أن تتصرف بهذا الشكل مع ممثل جمهورية تركيا.. كلمة فضيحة ليست كافية للتعبير عن هذا التصرف".

كما عكست عناوين الصحف التركية الصادرة الأربعاء الغضب الشديد في البلاد إزاء المعاملة التي تلقاها السفير في إسرائيل.

وكان "غطرسة" هو عنوان صحيفة "الوطن" اليومية، فيما كان عنوان صحيفة "جمهوريت" اليومية "العلاقات مع إسرائيل تنهار"، وكان "مؤامرة قذرة"عنوان صحيفة "الصباح"، فيما كان عنوان صحيفة "يني شفق" هو "حقير ولا أخلاقي".

وفي لندن جدد وزير الخارجية التركي الثلاثاء 12-1-2010 "أحمد داود أوغلو" انتقادات بلاده لإسرائيل بسبب اعتداءاتها على قطاع غزة. وقال: "إن من حق تركيا أن تنتقد إسرائيل بشأن الهجوم على غزة؛ لأننا بذلنا جهودا كبيرة من أجل تخفيف حدة التوتر في المنطقة، وهجوم واحد (الحرب الإسرائيلية على غزة) دمر كل هذه البنية الأساسية للسلام".

وأضاف للصحفيين: "بوصفنا واحدة من الدول القائدة في هذه المنطقة لا يمكننا التسامح تجاه المآسي الإنسانية"، لافتا إلى أنه "بعد عام من الهجوم على غزة ما زال سكانها في حاجة ماسة إلى منازل، والأطفال لا يجدون مدارس، كما أن الحصار ما زال مستمرا.. ما زالت غزة مثل الجيتو في منطقتنا".

بدايات الأزمة

وبرزت أولى ملامح الأزمة بين تركيا و"إسرائيل" يوم 30-1-2009 من خلال الموقف الشهير لأردوغان حين انسحب من جلسة جمعته بالرئيس الإسرائيلي "شيمون بيريز" في مؤتمر دافوس الاقتصادي بسويسرا؛ احتجاجا على عدم إعطائه الوقت الكافي للرد على كلمة بيريز بشأن عدوان "إسرائيل" على غزة.

وتوترت العلاقات بين البلدين بشكل أكبر العام الماضي عندما منعت تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو) "إسرائيل" من المشاركة في مناورة "نسر الأناضول" العسكرية التابعة للحلف، وأرجع أردوغان هذا الموقف إلى القلق العام بشأن العملية العسكرية الإسرائيلية على غزة.

وهناك تعاون عسكري وثيق بين تركيا و"إسرائيل" منذ تسعينيات القرن الماضي، وفي ذلك استخدام سلاح الجو الإسرائيلي المجال الجوي التركي للتدريب، وهو ما أملته على تركيا اتفاقيات سرية وقعتها حكومة سابقة في تسعينيات القرن الماضي.

» شمعون بيريز: سوريا تمتلك 70 ألف صاروخ موجهة نحو "إسرائيل"
» تلفزيون إسرائيل: عناصر "لبنان الجنوبي" يرون ان إسرائيل ألقتهم بالقمامة
» "معاريف": قادة إسرائيل أضاعوا فرصة السلام مع دمشق
» صواريخ "سكود" أيضاً وأيضاً: واشنطن "تصعّد".. دمشق "لا تخشى أحداً".. وحزب الله يرفض "الوصاية السافرة"!
» قائد شرطة دبي: إسرائيل نظّمت "عملية تزوير كبرى"