العمال الفلسطينيون: نزوح نحو منظمات المجتمع المدني

بــعــد إصــــدار وزيــــر العمل اللبناني بــطــرس حــرب قـــراراً يسمح للفلسطينيين بالعمل في مهن محصورة باللبنانيين، ما الذي تغيّر واقعاً؟ وهل كان هذا القرار كفيلاً بتشكيل بداية حل لأزمة البطالة المستفحلة في المخيمات الفلسطينية؟ .

يبدو مخيم شاتيلا كما كان عليه منذ ســنــوات، لــم يتغير شــيﺀ فيه سوى أن بقايا الإسفلت في طريقه الرئيسي اختفت وحلّ مكانها البحص الذي طُمرت به شبكة الصرف الصحي الجديدة التي قدمها الاتحاد الاوروبي للمخيم.

في المقهى المكتظ الواقع عند مدخل المخيم، شباب ينفخون في نراجيلهم ويسدّ أفقهم مركز عيادة الأونروا الواقع مقابل المقهى. أعداد العاطلين عن العمل من الفلسطينيين والعاملين في غير اختصاصاتهم الجامعية تشير إلى أن نسبتهم إن لم ترتفع فإنها على الأقل لم تتغير، وواقـــع هــؤلاﺀ يشير إلــى أن السبب في ذلك لم يكن فقط قانون العمل اللبناني كما أشــار لنا بعض ممن التقيناهم في المخيم، فأزمة عمل الفلسطيني ليست قانونية فحسب، "بـــل سياسية وكــذلــك لــهــا علاقة بالأداﺀ الفلسطيني في لبنان ومدى وعي الأخير لتصرفاته" هذا ما قاله مهندس فلسطيني انتهى به الأمر، بعد أن أنهى تخصصه الجامعي، عاملاً في سوبر ماركت عند مدخل المخيم.

في جميع المخيمات، يجد معظم العاطلين عن العمل أنفسهم أمام خيارين إمــا "الــحــراســة" أو "العمل الاجتماعي". الحراسة يمتهنهاالشباب الذين يقضون فترة مناوبة أمام أحد مواقع الفصائل الفلسطينية مقابل مئة دولار أميركي في نهاية الشهر، أمّا العمل ضمن مؤسسات المجتمع المدني فبات ظاهرة في المخيمات الفلسطينية ويــمــارس هــذا العمل عدد كبير من اللاجئين الفلسطينيين إذ يوفّر لهم مدخولاً جيداً وعملهم يكون ضمن نطاق المخيمات حيث لا قانون عمل يحكمهم.

توجه المهندس البحري مشهور (اسم مستعار) إلى العمل الاجتماعي بعدما فشل على مدى سنتين في الحصول على عمل ضمن تخصصه.

يــقــول مــشــهــور "بــعــدمــا عـــدت من أوكــرانــيــا إلـــى لــبــنــان الــعــام ١٩٩٨ تقدّمت إلــى عــدد كبير من شركات النقل البحري لكن المرفأ بقي مغلقاً أمامي لأنني فلسطيني "، ويضيف" حتى الآن أتذكر كيف كنت أنظر إلى المرفأ وهو حلم بالنسبة لي ولا أستطيع أن أعمل فيه". بعد ثلاث سنوات من المحاولات الفاشلة توجه مشهور للعمل مع منظمات المجتمع المدني في الإحصاﺀات والدراسات المتعلقة باللاجئين الفلسطينيين.

ويعلّق مشهور قائلاً "مع همروجة حقوق الإنسان والمنظمات المدنية دخلت إلى العمل الاجتماعي". ومع الوقت وفرّت له هذه التجربة فرصاً جديدة للعمل مع المنظمات نفسها ولكن على نطاق أوسع، واليوم أصبح لمشهور عشر سنوات في هذا الحقل، ولكنه يعمل إلــى جانبه بائعاً في إحدى المحال التجارية في المخيم بسبب موسمية العمل الاجتماعي الذي يُحدّد عادة بمدة معينة وميزانية معينة لإنهاﺀ مشروع أو دراسة ما.

حــيــن اخـــتـــار هــشــام الــزعــتــري الــتــخــصــص فـــي مـــجـــال هــنــدســة تكنولوجيا الطباعة لــم يتوقع أن النهاية ستكون بعيدة كل البعد عن اختصاصه الذي اختاره بعناية للحصول على فرص عمل أكثر، لكن تبيّن له العكس حين عودته إلى لبنان فــي الــعــام ١٩٩٨ "إذ حاولت لسنة كاملة التفتيش عن عمل لكني فشلت". مع ذلك يؤكد الزعتري أنه لا يعتبر ما حصل معه عنصرية أو "لأنــي فلسطيني الجنسية". يعمل الآن هشام في مجال العمل الثقافي ويشرف على مركز لتقوية الطلاب الفلسطينيين وهو بحسبه "يعدّ عملاً تطوعياً إلى حد ما، أتقاضى مقابله مبلغا رمزيا"، وفي انتظار الــرد على طلب العمل الذي تقدم به إلى إحدى الشركات في قطر سيستمر في العمل الاجتماعي والثقافي.

معظم نساﺀ المخيمات يعملن إمّــا في الخياطة أو في البساتين (مخيمات الجنوب) والنسبة الأكبر مــنــهــنّ تــعــمــل ضــمــن مــؤســســات المجتمع المدني حتى نسبتهّن في هذا المجال تفوق نسبة الذكور، ولكن ماذا عن الشريحة الجامعية من هؤلاﺀ؟ أين وماذا يعملن؟ .

سامية (اسم مستعار) مهندسة كهرباﺀ فلسطينية تعيش خارج المخيم، تخرجت الــعــام الفائت وحصلت على فرصة عمل في احد مكاتب التعهدات العقارية منذ خمسة أشــهــر. تعمل سامية في مجالها بالإضافة إلى مهمات تُوكل إليها من خارج اختصاصها وتقول "إلـــى جــانــب عملي فــي الهندسة الكهربائية تطلب إليّ مهمات خاصة بالمبيعات"، وذلــك مقابل مبلغ لا يتعدى الـ ٨٠٠ دولار شهرياً وتلفت سامية إلى أن زملاﺀ ها اللبنانيين الخريجين من الاختصاص نفسه بدأوا براتب ١٣٠٠ دولار أميركي. أما السبب الــذي يدفع سامية للقبول بشروط هذا العمل فتختصره بالقول "لأنني كفلسطينية لم أحظَ بفرصة أخرى". أما عن زملائها الفلسطينيين فتقول سامية "جميعهم من دون استثناﺀ توجهوا للعمل في الخليج، أمــا مــن بــقــوا فــي لبنان فيعملون مثلي" في إشــارة منها إلى ظروف العمل نفسها، فسامية لم توقّع عقد عمل وبالتالي ليست لها أي حقوق أو ضمان صحي وعند سؤالها عما إذا طالبت بأن يسجلها رب العمل فــي الــصــنــدوق الــوطــنــي للضمان الاجتماعي أجابت "قالولي في ناس صــرلا ٨ سنين ومــا انضمنت، فما عذب حالي". مع هذا تبدي سامية فرحة بالعمل الذي تقوم به وتؤكد أنها ستبقى فيه "على أمل أن أجد ما هو أفضل".

» نقابات العمال يطالب منظمات حقوقية بوقف الاعتداءات ضد المزارعين
» شهاب يلتقى مع ممثلى منظمات المجتمع المدنى والمجلس القومى لحقوق الإنسان
» د0 فياض يشيد بدور مؤسسات المجتمع المدني
» آشتون تلتقي في غزة ممثلين عن مؤسسات المجتمع المدني
» رام الله: ممثلو المجتمع المدني يبحثون ارتفاع الأسعار