إلزامية الترخيص للجمعيات في «البارد» الجديد تترك تداعيات سلبية: تجاوز للخصوصية الفلسطينية.. ومخاطر من زيادة الشرخ مع «الدولة»

لا يملك أحد في مخيم نهر البارد حتى اللحظة تصوراً تقريبياً يساعده على فهم الأسباب والدوافع من وراء اتخاذ وزارة الداخلية قراراً يقضي بتنظيم عمل الجمعيات والمؤسسات الاجتماعية والإنسانية في الجزء الجديد من المخيم، وإن كان البعض اجتهد في تقديم التحليلات وسياق التفسيرات على نحو يحمل الكثير من المضامين السلبية التي لا تؤسس في المدى المنظور لإعادة بناء جدار الثقة وترميم الشرخ القائم في العلاقة بين الجانب اللبناني الرسمي وأبناء المخيم، الذين ما يزالون يعيشون منذ نحو ثلاث سنوات تداعيات انتقال «السلطة» ويجهدون لتقبل الواقع الجديد بكل ما حمله إليهم من متغيرات على مختلف الصعد الأمنية، الاقتصادية، الاجتماعية والسياسية.
وإذا كان قرار وزارة الداخلية للجمعيات والمؤسسات بوجوب الحصول على تراخيص قانونية لممارسة عملها، لاقى في مرحلته الأولى من التبليغ اعتراضاً وامتعاضاً من قبل القيمين، فإن سلوكه طريق التنفيذ العملاني وفق الآلية القانونية المتبعة ستترتب عليه تداعيات سلبية على واقع المؤسسات والمستفيدين من تقديماتها وخدماتها. ويرى المعنيون في الجمعيات أن القرار سيؤدي حكماً إلى موجة من التحركات الرافضة التي تتردد أصداؤها في أرجاء المخيم وقد تصل إلى حد إعلان العصيان المدني، بحسب ما أوضح مسؤول اللجنة الشعبية في المخيم توفيق ميعاري.
ويأتي قرار وزارة الداخلية المفاجئ في التوقيت والظروف، في وقت كانت الجهود الفلسطينية تنصبّ لإخراج المخيم من الحالة الأمنية المفروضة عليه منذ انتهاء المواجهات العسكرية تمهيداً للشروع في صياغة علاقة جديدة تقوم على مراعاة الخصوصية لأبناء المخيم وتضمن الأمن والاستقرار، وفق وجهة النظر الفلسطينية، التي تعتبر أن المدخل لتطبيق القانون يكون عبر إعطاء الحقوق المدنية والإنسانية للاجئين.
وعليه عقدت سابقاً سلسلة لقاءات بين الجانبين اللبناني والفلسطيني، أوحت في بعض المراحل بوجود «حلحلة» لبعض العقد، قبل أن تعود الأمور إلى نقطة الصفر بعد توصيف مديرية التوجيه للمخيم الجديد بـ«المنطقة المحاذية للمخيم»، ليستكمل الأمر مع قرار وزارة الداخلية الذي تسلمته اللجنة الشعبية قبل حوالى شهر ونصف الشهر من اليوم ويطلب من اللجنة ومعها 23 جمعية ومؤسسة إنسانية واجتماعية في المخيم أن يتقدموا بالحصول على تراخيص قانونية ليتاح لهم العمل، وذلك تحت طائلة اتخاذ التدابير القانونية المرعية الإجراء بحق المتخلفين في حال عدم الحصول على الترخيص المطلوب.
ويخلق القرار، بكل ما يحمله من تداعيات على المؤسسات والجمعيات العاملة في المخيم، حالة من الاستياء في صفوف الأهالي والقيادات، ويطرح تساؤلات حول توقيت صدوره، خصوصاً ان العديد من القضايا العالقة لم يتم حلها بعد، ومنها مسؤولية الأمن في المخيم مستقبلاً ودور اللجنة الشعبية في التعاطي والتنسيق مع الجانب اللبناني والجهة البلدية التي ستخضع لها المنطقة إداريا، فضلاً عن أمور أخرى كانت مدار بحث خلال الفترة السابقة مع لجنة الحوار اللبناني ـ الفلسطيني قبل حلها.
وكما هو معلوم فإن هناك العديد من الجمعيات الخاصة، وتلك التابعة للفصائل الفلسطينية كانت دأبت منذ انتهاء أزمة البارد وعودة الأهالي إلى الجزء الجديد، على العمل لتوفير الحد الأدنى من الخدمات الصحية من خلال فتح عيادات داخل مراكزها، فضلاً عن فتح رياض للأطفال بسبب نقص عدد المدارس.
واستطاعت الجمعيات، إلى حد ما، سد بعض الاحتياجات، الأمر الذي من شأنه في حال تم تطبيق القرار أن يؤدي إلى حرمان شريحة كبيرة من أبناء المخيم من خدماتها، وهو ما دفع الجمعيات والمؤسسات إلى عقد اجتماع حذرت خلاله من خطورة القرار ودعت إلى إلغائه أو تعديله بما يتناسب والواقع الفلسطيني. وأرفقت الطلبات بمذكرة رفعتها إلى لجنة المتابعة العليا لملف البارد، والتي بدورها طلبت لقاء مع رئيس الحكومة سعد الحريري، لمناقشة الأمر معه، بحسب ما أوضح مسؤول اللجنة مروان عبد العال. واعتبر عبد العال أن «القرار يمس مباشرة الهوية الوطنية الفلسطينية، ونحن بالنسبة لنا سنعمل ما بوسعنا لإلغائه أو تعديله، وسوف نلتقي مع الرئيس الحريري لاطلاعه على تداعياته».
وعلمت «السفير» انه تم طلب موعد من الرئيس الحريري وأنه لم يتم تحديده حتى اليوم وكذلك الأمر بالنسبة للقاء وزير الداخلية زياد بارود.
وأضاف: «هذا القرار سياسي، وهو استكمال لخطوات أخرى، منها على سبيل المثال تسمية المخيم الجديد بالمنطقة المحاذية للمخيم، وقد ابلغنا في السفارة الفلسطينية عبر محامي الحكومة اللبنانية قبل شهر بتغيير التسمية، ومن حقنا أن نتساءل عن الهدف من القرار، وإذا كانت له علاقة بأمور أخرى».
ويشير مسؤول الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـ «القيادة العامة» في الشمال أبو عدنان عودة إلى «أن توقيت القرار ليس في مكانه، لأنه يزيد من الضغوط المفروضة على أبناء المخيم، من دون أن تكون هناك أية بوادر حل لمشاكلهم المعيشية والاجتماعية التي يرزحون تحتها».
لافتاً إلى أن «تطبيق القانون يجب أن يقوم على قاعدة الحقوق والواجبات، لأنه من غير المنطقي أن يطبق القانون على الفلسطيني قبل إعطائه حقوقه المدنية والإنسانية، وإلا فإننا نكون قد وضعنا الحبل على رقبته، لأن الجميع يعلم الحاجة الملحة للجمعيات والمؤسسات الأهلية في المخيم».
ورأى أنه «في ظل غياب المؤسسات اللبنانية عن العمل وتقديم الخدمات في المنطقة التي صنفوها أرضاً تتبع مباشرة لإدارة السلطة اللبنانية، فإن تطبيق القرار يعتبر إجحافاً بحق شريحة كبيرة من النازحين تستفيد من تقديمات وخدمات المؤسسات والجمعيات»، مؤكداً أن المعنيين في المخيم ليسوا «بالمطلق ضد تنفيذ القرار في حال جرت تسوية عادلة للقضية، ولكن تبقى قضية اللجنة الشعبية التي لحظها القرار، وهو ما نعتبره قراراً سياسياً لكونه يطال مؤسسة تقوم منذ اتفاق القاهرة بإدارة شؤون المخيمات في لبنان ومعالجة مشاكل أبنائها، ما يدفعنا إلى المطالبة باتفاق جديد على غرار اتفاق القاهرة يضمن للفلسطيني حقه وللبنان أمنه واستقراره».
من جهته، يشير مسؤول اللجنة الشعبية توفيق ميعاري إلى أن «هناك 23 جمعية ومؤسسة بما فيها مستوصفات ورياض كانت تعمل قبل أحداث البارد في المخيم القديم، ونتيجة دمار المخيم وإقامة معظم الأهالي في المنطقة المحاذية، بدأت هذه الجمعيات بفتح مراكزها وباشرت عملها في تقديم المساعدات والخدمات الضرورية والملحة في ظل النقص المتزايد وتخلي الكثيرين عن القيام بواجباتهم والالتزام بتعهداتهم».
وتابع: «لا يمكن في الصيغة المطروحة أن يتمّ الترخيص، فالقانون اللبناني لا يعطي الترخيص للأجانب إذا لم يكن هناك 51 في المئة من الأعضاء من اللبنانيين، وهذه مشكلة بالنسبة لنا، فالمخيم يقطنه نحو 95 في المئة من الفلسطينيين، فضلاً عن أن هذه الجمعيات هي فلسطينية، فكيف ستأتي بأعضاء وتقنعهم بالعمل معك».
ويرى ميعاري ان «الخطورة في القرار لا تكمن بالنسبة للجمعيات، بل بالنسبة للجنة الشعبية، فهذه مؤسسة تابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، وهي تعمل على معالجة قضايا اللاجئين وحل مشاكلهم، فها يعقل أن يكون أعضاؤها الـ 51 من غير الفلسطينيين»، مشيراً إلى أنههم «إذا كانوا يريدون من اللجنة الشعبية أن تتقدم بطلب ترخيص، فعليهم أن يطلبوا من منظمة التحرير أن تتقدم هي أيضا بطلب ترخيص وحينها لا مانع لدينا من التقدم بهذا الطلب».
ويشير ميعاري إلى أن «الدولة اللبنانية يمكن لها أن تجد حلاً لهذه القضية وان تقوم بوضع استثناءات للمؤسسات الفلسطينية، فعلى سبيل المثال، هناك من يطالب بتنظيم السلاح الفلسطيني داخل المخيمات»، متسائلاً «هل السلاح الفلسطيني داخل المخيمات قانوني؟ ليجيب «بالتأكيد، هو بحسب وجهة نظر القانون غير شرعي وبالتالي فإن هناك محاولات للقبول بالأمر الواقع والعمل على تنظيمه، وهذا يمكن أن ينسحب على المؤسسات والجمعيات وان يصار إلى إيجاد مخرج للقضية، لأننا نخشى من أن تكر السبحة ونجد أنفسنا أمام قضايا أخرى أكثر تعقيداً».

» اللاجئون الفلسطينيون يترقبون بحذر تداعيات إعلان الدولة الفلسطينية
» الأونروا لأهالي «البارد»: زيادة الشقق مقابل تقلّصها
» الحص التقى وفدا من مخيم نهر البارد وتمنى على الدولة الاهتمام بشؤون مخيم نهر البارد
» فلسطينو «البارد»: لا لبدل الإيجار الجديد
» د. زكريا : منظمة التحرير الفلسطينية متمسكة بالثوابت الفلسطينية ولا اعتراف بيهودية الدولة الإسرائيلية