في التاسع من أبريل/ نيسان 2003 وقف صدام حسين الرئيس العراقي الراحل على ظهر شاحنة صغيرة قرب مسجد أبو حنيفة النعمان في حي الأعظمية وهو يرفع يده ليحيي حشدا يضم حوالي 200 شخص من الأهالي معاهدا بالانتصار على الولايات المتحدة, بالرغم من ظهور علامات الهزيمة على وجهه.
وقال أبو ريمة أحد سكان حي الأعظمية (شمال بغداد) آخر منطقة ظهر فيها الرئيس السابق قبل اختفائه في التاسع من أبريل/ نيسان 2003, أنه قال لصدام عند ظهوره آنذاك "أعد أهالي الأعظمية بلحظة ذهبية حين نهزم الأميركيين", إلا أن مصير صدام كان الإعدام في الثلاثين من ديسمبر/ كانون الأول 2006.
ويضيف أبو ريمة والدموع تسيل من عينيه, إن "هذه الصورة تأتي إلى خيالي مثل مشهد فيلم, كان يوم الأربعاء التاسع من أبريل/ نيسان, هذا التاريخ في دمي, إن صدام يجري في عروقي".
ويتحدث هذا المدرس المتقاعد البالغ 65 من العمر وهو جالس في حديقة منزله في الأعظمية التي طالما اعتبرت معقلا للتمرد السني, ولا يزال يحتفظ بذكريات هذا اليوم الذي بقي يتجدد في ذاكرته.
قال "قبل ساعات قليلة من دخول الدبابات الأميركية ساحة الفردوس وسط بغداد كان (صدام) هنا معنا.. في الأعظمية".
ودخلت قوات من مشاة البحرية (المارينز) وسط العاصمة بغداد في التاسع من أبريل/ نيسان وحطمت أكبر تماثيل صدام في ساحة الفردوس بعد وضع حبل على رقبته وسحبه بالدبابة, ليعدم شنقا فجر الثلاثين من ديسمبر/ كانون الأول 2006 بعد إدانته بارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
وبعد إسقاط تمثاله في ساحة الفردوس قام حشد من العراقيين الغاضبين بضرب رأس التمثال بالأحذية.
وأشار أبو ريمة إلى اليوم الذي ظهر فيه صدام في الأعظمية قائلا "جاء عند الظهر في وقت الصلاة". وأضاف "كنا نؤدي صلاة الظهر في مسجد أبو حنيفة عندما دخل شخص بصورة مفاجئة وقال إن الرئيس خارج المسجد, وخرجنا بسرعة ورأيناه واقفا على ظهر السيارة يحيي الناس".
وتابع إن "وزير الدفاع سلطان هاشم الطائي, الذي حكم عليه بالإعدام بقضية حملة الأنفال, كان يرافقه بالإضافة إلى نجله قصي وسكرتيره عبد حمود".
وأضاف أبو ريمة "لم تكن المرة الأولى بالنسبة لي التي أرى فيها صدام, لكنني توجهت إليه مسرعا وصافحته وقبلته على صدره وكتفه". وأضاف "كان قصي يرتدي بزة أرجوانية, فيما كان صدام في زيه العسكري".
وأضاف أبو ريمة مستذكرا هذا اليوم بتفاصيله قائلا "كانت هناك امرأة شجاعة اقتربت من صدام وقالت له: أبو عدي تبدو مرهقا، فرد بدوره: سوف لا أتعب إن شاء الله, والعراق منصور بإذن الله, بعد لحظات استقل سيارته المرسيدس وانطلق".
بدوره, يقول محمد العبيدي أحد أهالي الأعظمية الذي شاهد صدام قرب مسجد أبو حنيفة إن "الرئيس كان بالفعل مرهقا". وأضاف "لقد كان متعبا لكن شكله كان مهيبا" في الوقت نفسه.
وأوضح العبيدي "في الحقيقة عندما رأيته يتحدث إلى الناس تحمست كثيرا وكنت أبحث عن بندقية لأطلق النار في الهواء للاحتفال بالنصر على الأمريكيين".
ويعتبر أبو ريمة أن صدام "مات شهيدا" وإعدامه جاء بتوجيه من الأميركيين, ويضيف "لو أن الأمريكيين هاجمونا وحدهم لتمكنا من هزيمتهم, لكنهم قدموا مع كل قوى الشر, وبالرغم من ذلك كله, تمكن هذا الشهيد الشجاع من التحدث إلينا رغم تحليق المروحيات
فوقه بحثا عنه".
من جانبه, قال أبو عبد الله وهو أحد سكان الأعظمية السنة, إن "صدام قضى ليلته في الأعظمية بعد ظهوره" ذلك اليوم.
وأضاف أبو عبد الله (61 عاما) وهو موظف حكومي متقاعد "لقد كان صدام في مسجد أبو بشر الحافي القريب من أبو حنيفة وقضى ليلته هناك".
وأكد هذا الرجل وهو يرتدي الدشداشة "غادر صدام الأعظمية عند الساعة السادسة صباحا في زورق عبر نهر دجلة إلى جهة الكاظمية (شمال بغداد),الحي الشيعي الذي يقابل الأعظمية من الجهة الشمالية والذي يفصلهما نهر دجلة".
وعثرت القوات الأميركية في 13 ديسمبر/ كانون الأول 2003 على صدام داخل قبو بالقرب من مدينة تكريت (180 كلم شمال بغداد) معقله السابق.
وخضع للمحاكمة وأدين بتهمة جرائم ضد الإنسانية وأعدم 30 ديسمبر/ كانون الأول 2006.
ويعتبر المتحدثون من سكان الأعظمية وهم بعثيون سابقون أن الوضع في العراق ميؤوس منه.
وأشار أبو ريمة "انظر ماذا يحدث الآن في البلاد, بينما في أيام صدام لم يكن هناك أي صراع طائفي بين الشيعة والسنة". وأضاف "الآن علينا أن نعطي السلاح لصغارنا للدفاع عن مناطقنا من الميليشيات ومسلحي القاعدة".
يشار إلى أن المئات من الشبان والرجال في الأعظمية, بينهم من كان ينشط في إطار مجموعات مسلحة, تحولوا إلى حراس بدعم أمريكي لحماية المنطقة من مقاتلي القاعدة بعد أن طردوهم منها.
وقال أبو ريمة بحزم واضح "حتى خلال الحرب وبعد دخول القوات الأمريكية بغداد, الأعظمية كانت آخر حي تمكنت القوات الأميركية من السيطرة عليه, وحتى الآن القتال لم ينته, وسوف ننتصر في النهاية".