للحفاظ على التراث الشعبي من الضياع والاندثار.. متحف في غزة بجهود ذاتية

زكريا المدهون

انهمك الفنان التشكيلي بسام الحجار بوضع اللمسات الأخيرة على جدارية طينية تصور حياة الفلاح الفلسطيني قبل عشرات السنين مستخدما المنجل ليحصد القمح... فيما نسوة يحملن فوق رؤوسهن جرار فخار قرب بئر للمياه.

الحجار نحت العشرات من الجداريات عن القدس وبلاد الأجداد والانتفاضة والتراث الشعبي، يحتضنها 'المتحف الفلسطيني للتراث الشعبي' في مخيم الشاطئ للاجئين الفلسطينيين غرب مدينة غزة.

ويقول الحجار ذو الشعر الأبيض لـ'وفا' 'استخدم مواد بسيطة لانجاز أعمالي مثل المفك والمنشطر والسكينة.'

'أحاول قدر الإمكان من خلال أعمالي الفنية الحفاظ على التراث الشعبي والهوية الوطنية من الضياع والاندثار وربط الأجيال الحالية بماضيها العريق' قال الحجار.

ويستخدم الحجار الذي شارك بمعارض فنية داخل الوطن وخارجه مواد خام بسيطة لانجاز أعماله.

وأوضح أنه يستخدم الأسمنت الأبيض والرمل والشيد والفخار المطحون بعد خلطها مع بعضها البعض، مشيراً إلى أنه يرسم من خياله دون الاستعانة بأية صور توضيحية.

لوحات أخرى للحجار احتوتها جنبات المتحف الذي لا يبعد سوى عشرات الأمتار عن شاطئ البحر مثل: لوحة تجسد الأفراح الفلسطينية القديمة التي تضم الدبكة الشعبية وهودج العروس عل ظهر الجمل وشبان يعزفون عل الشبابة والناي.

امرأة ترتدي زياً شعبياً فلسطينياً تقوم بغزل النول ورجل يرتدي 'الهندية' وهي الزي التقليدي للرجل الفلسطيني قبل النكبة يقوم بصب القهوة وآخر يطحن القهوة بـ'المهباج'... لوحات جسدت حياة الفلسطينيين البسيطة في قراهم قبل العام 1948.

ويقول الفنان الحجار 'أوجه من خلال أعمالي رسالة بضرورة النهوض بالحركة الثقافية والفنية للحفاظ على التراث الشعبي من الضياع والاندثار والنسيان'.

في إحدى زوايا المتحف المقام بجهود ذاتية كمال يقول القائمون عليه، غرفة يوجد بداخلها مجسم لرجل فلسطيني يرتدي زيه التقليدي القديم يجلس بجانب 'كانون للنار' يصب القهوة العربية للضيوف، في حين كان آخر يطحن القهوة بـ المهباج' الفلسطيني المشهور، فيما علقت على جدران الغرفة لوحات تروي تفاصيل حياة الآباء والأجداد.

وفي غرفة أخرى كانت فلسطينية ترتدي الزي التقليدي لأهالي يافا 'الثوب' وأخرى ترتدي الثوب الفلسطيني وثالثة ترتدي الثوب الشعبي لأهالي هربيا.

ولم يغب عن فعاليات المتحف الموسيقى والغناء باللون التراثي والشعبي، حيث يقوم الفنان حسن خروب بإعطاء دورات موسيقية في الغناء والدبكة والعزف على العود.

وقال 'أغني لفلسطين وللشهداء وللانتفاضة والقدس والوحدة الوطنية'.

وأضاف: شاركت بالعديد من الفعاليات الوطنية مثل أحياء يوم الأرض وجميع المناسبات الوطنية، لافتا إلى أن محاربة الاحتلال ليست فقط بالحجر والسلاح... كذلك بالغناء والموسيقى.

ويتبع 'المتحف الفلسطيني للتراث الشعبي الذي افتتح نهاية العام الماضي' لـ'جمعية الثقافة والفنون والتراث الشعبي' التي يرأسها جمال سالم.

وقال سالم لـ'وفا' إن 'المتحف لا يتبع لأية جهة وأقيم بجهود ذاتية لبعض الفنانين والهواة والمهتمين'.

وأضاف 'نحن كجمعية للثقافة والفنون والتراث الشعبي أخذنا على عاتقنا النشاط الثقافي الفني التراثي بناءً على واقعنا الفلسطيني، لأن الجانب الإسرائيلي يحاربنا من كل شيء.. يحاربنا في الأرض وفي تراثنا وثقافتنا، وسرقوا كل ما له علاقة بماضينا وحاضرنا في هذه المجالات، حيث نعمل من خلال نشاطاتنا على التعبير عن عاداتنا وتقاليدنا الفلسطينية'.

وتابع سالم 'كانت الجمعية دوماً تسعى للحفاظ على الإرث الثقافي، علماً أن المحتلين سرقوا الكثير من تراثنا الفلسطيني، لدرجة أن الأزياء الشعبية الفلسطينية التي نعتز بها ونحافظ عليها باستمرار بدؤوا يسرقونها ويجيرونها لهم، ولعل أبرز دليل على ذلك موظفات شركة العال للطيران الإسرائيلية اللواتي يرتدين الثوب الفلسطيني'.

وأوضح أن المتحف يضم جداريات تعبر عن القرى والريف الفلسطيني، وعن المعارك التاريخية للفلسطينيين عبر العصور، إضافة الى احتوائه على أقسام للأزياء الشعبية لمختلف القرى الفلسطينية قبل النكبة والأكلات الشعبية القديمة، وكذلك مقتنيات نحاسية ومطرزات وقطع معدنية وعملات قديمة.

ويهدف المعرض كمال يقول سالم 'المحافظة على التراث الفلسطيني من الضياع والزوال'.

وبيّن سالم أن المتحف أنشئ في ظل ظروف استثنائية يعيشها قطاع غزة خاصة عدم وجود متاحف وقصور ثقافية.

وعن الخطط المستقبلة للجمعية كشف سالم أن لديهم الكثير من البرامج التي يسعون من خلالها إلى الحفاظ على تراثنا وهويتنا وفي مقدمتها إقامة 'القرية السياحية التراثية' على أنقاض ما كان يعرف سابقا بمستوطنة 'نتساريم' جنوب مدينة غزة على مساحة عشرة دونمات.

وأوضح أن هذه القرية ستضم كافة جوانب التراث الشعبي الفلسطيني، وكل ما له علاقة بالعمل التراثي، كما ستضم المتحف الشعبي والمسرح والبيت الشعبي والمأكولات الشعبية والحكواتي وكافة جوانب التراث.