مدافن الفلسطينيين في مخيمات بيروت الثلاثة: أسماء عديدة على شاهد واحد

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
مشهد للمقابر (حسن عبدالله)

لا يختلف شكل القبر الذي يُدفن فيه الفلسطيني عن أي قبر آخر موجود في المحافظات اللبنانية الست. الا ان الفلسطيني يُدفن وفي قلبه حسرة، فنجد عبارة «أتمنّى الا أموت على ارض غير أرض فلسطين»، منحوتة على بعض قبورهم. يتوزع اللاجئون الفلسطينيون في بيروت على المخيمات الثلاثة: برج البراجنة وشاتيلا ومار الياس. ومن المعروف أن المخيمات تكتظّ بلاجئيها الفلسطينيين وبعض المواطنين اللبنانيين الذين تقع بيوتهم المتواضعة في الأزقة والزواريب.
إلا أن الفلسطيني يغدو لاجئاً أيضاً بعد وفاته، فيبحث عن قبر ليدفن فيه، ليجد نفسه مدفوناً مع ذويه الراحلين داخل قبر واحد، لعدم استيعاب المدافن التابعة للمخيمات الثلاثة عدد الموتى.
أين يدفن الفلسطينيون في لبنان؟ قد يضحك السؤال الفلسطيني الذي تارة يؤكد أن «الأرض ضاقت بموتانا» وطوراً يعتبر نفسه «انه مدفون بالحياة في بيته داخل المخيم».
توسيع مدافن برج البراجنة
يعتبر مخيم برج البراجنة الوحيد بين المخيمات الثلاثة الذي يتضمن مقبرة ضمن المخيم، بينما يدفن الموتى في كل من مخيمي شاتيلا ومار الياس في «مثوى شهداء الثورة الفلسطينية» (أي مقبرة الشهداء) في منطقة شاتيلا.
في داخل مخيم برج البراجنة تقع المقبرة بالقرب من بيوت المخيم. وحدها رائحة الريحان تدلك على وجود مقبرة تفتقد للافتة حديدية تعرّف عنها. الا ان الجميع يعرفها باسم «مقبرة شهداء مخيم برج البراجنة». وتتولى اللجنة الشعبية في المخيم حالياً إدارة المقبرة التي من المفترض ان يتم توسيعها قريبا.
أمين سر اللجنة الشعبية للتحالف في برج البراجنة وليد ابو العينين يلفت الى أن المقبرة أنشأت في العام 1982 بعدما كانت ملعباً للأشبال، حيث كان فلسطينيو المخيم يُدفنون في منطقة الرمل العالي من قبل. ويشرح أبو العينين: «كان الدفن في المقبرة يتم عشوائياً، حتى اعتمدت اللجنة طريقة جديدة لعدم ترك فراغات بين القبور لضيق مساحة المقبرة التي تبلغ 700 متر مربع، وتستطيع استيعاب 30 قبراً بعد». ويؤكد ان اللجنة طالبت المعنيين في فصائل التحالف والمنظمة، المساعدة على إيجاد مقبرة لهذا المخيم ولم تحصل على الرد حتى الساعة». ويلفت إلى أن السفير السابق عباس زكي كان قد اتفق مع النائب وليد جنبلاط الذي بادر إلى تقديم قطعة أرض في منطقة وادي الزينة، وتحويلها الى مدافن للفلسطينيين. ويؤكد أبو العينين ان التقاليد والعادات التي يتبعها الفلسطينيون لا تساعدهم على إحياء مراسم الدفن في مسافة بعيدة عن مكان المخيم الذي يقطنون فيه، حيث يسير أهالي المخيم وراء الميت خلال الجنازة، وتقوم النساء بزيارات متتالية الى القبر بعد الدفن. وعن توسيع المقبرة، يقول أبو العينين ان اللجنة وبالتشاور مع بعض الفعاليات والمسؤولين في المخيم اختارت مهندسا من المخيم وطلبت منه وضع دراسة حول توسيع المقبرة. ويضيف ان التوسيع سيشمل «ازالة المبنى القديم وهو المصلى ذو الاتجاه الشرقي /غربي، والذي لا يتفق مع الاصل الشرعي لصلاة الجنازة التي يستحب فيها الإكثار من عدد الصفوف، وذلك بجعل المصلّى باتجاه شمالي جنوبي ما يؤمن من مساحة داخلية تستخدم كمدافن إضافية. كذلك سيتم إضافة مساحة جديدة للمقبرة وهي القسم الموجود حالياً بين جدار المصلى الشمالي والشارع الشمالي والمقدرة مساحتها 507 أمتار مربعة بزيادة 312 قبراً».
بدوره، يؤكد أمين سر اللجنة الشعبية لمنظمة التحرير حسني أبو طاقة ان «عدد الموتى في مدافن برج البراجنة قد غمر مساحة الأرض». ويرى أن التوسيع هو مؤقت و«هناك ضرورة لإيجاد أرض بديلة، بعدما ضاقت المدافن بأمواتها». في السياق نفسه يرى أن مسؤولية المدافن تعود الى منظمة التحرير الفلسطينية مباشرة. ويناشد أبو طاقة المجتمع المعني بحقوق الإنسان «أن يوفر لنا ارضاً نكرم فيها دفن امواتنا». وعن اكتظاظ المقبرة بأمواتها، يؤكد أنه يتم فتح قبور ذوي الراحل ودفنه مع أقاربه. وعن تكاليف الدفن، يشير إلى أن بعض الخيرين قد يدفعون ثمن القبور، بينما يتطلب على أهل الراحل دفع مبلغ 100 دولار أميركية كأجر للعامل في المقبرة.
«مستعدة أرجع ميتة لفلسطين»
تضحك سيدة في الأربعين من عمرها في مخيم شاتيلا حين تعلم أننا نجري تحقيقاً عن مكان دفن الأموات الفلسطينيين. تستغرب الأمر كونها تؤمن أن الفلسطيني الحي لا يأخذ حقه في العيش «فما بالك الميت». نسألها عن المكان الذي تتمنى أن تدفن فيه بعد عمر طويل. تجيب بحدّة «فلسطين طبعاً مستعدّ أرجعلها ميتة بس أرجع». تقاطعها جارتها التي تخالفها الرأي في موضوع ان تدفن في فلسطين. للأخيرة رأي آخر حول الموضوع. أبصرت الأخيرة النور في لبنان ولا تعرف شيئاً عن فلسطين. عاشت حياتها في مخيم نهر البارد. اضطرت الى النزوح منه والعيش في شاتيلا بعد أحداث البارد الأخيرة. «البارد هو بيتي وكل شي بالنسبة الي، ما بعرف عن فلسطين لكن بعرف كل زاوية عن البارد، أنا بدي اندفن هونيك».
تبعد مقبرة الشهداء أمتاراً عن مخيم شاتيلا. في داخلها يحمل كل قبر اسم الشهيد الذي توفى مع أمنية الدفن على أرض فلسطين. وما يجعل القبور هنا مختلفة عن غيرها، هو حمل كل قبر لأكثر من اسم من العائلة نفسها، بعدما يتم فتح القبور ودفن الأقارب مع بعضهم.
يشير مدير عام مؤسسة الشؤون الاجتماعية والشهداء والجرحى الفلسطينيين في لبنان (وهي المؤسسة المسؤولة عن مقبرة الشهداء) شريف السوقي إلى أن مقبرة الشهداء أنشأت في العام 1969 وتضمّ أكثر من 200 شهيد من مجزرة صبرا وشاتيلا. ويؤكد أن المقبرة لم تعدّد تتسع للأموات، لافتاً الى ان المؤسسة ستتولى الإشراف على مقبرة وادي الزينة التي قدّمها النائب جنبلاط في حال اعتماد المشروع. ويتابع أن «المقبرة هي أولاً لجميع المناضلين الفلسطينيين وذويهم، ولا يتم دفن أي فلسطيني فيها لا يوجد قبر لقريب له فيها». إذا، أين يدفن من ليس لديه أقارب؟، يجيب السوقي «أي مقبرة ثانية غير الشهداء». كما يؤكد أن المؤسسة تتولى دفع تكاليف الجنازة وبناء القـبر، وهي المـسؤولة عن دفن الأمــوات في مخيمي شاتيلا ومار الياس.
من جهته، يشير مسؤول الجبهة الشعبية في برج البراجنة فؤاد ضاهر (والمخوّل بالتحدث عن مخيم مار الياس) إلى أنه يتم دفن لاجئي مخيم مار الياس في مقبرة شاتيلا، مؤكداً أن القبر يفتح لأكثر من ميت من العائلة نفسها، بسبب ضيق المساحة. كذلك، يلفت إلى وجود تربة صغيرة بالقرب من روضة الشهيدين في الغبيري وهي خاصة بأموات مخيم مار الياس.
خلاصة الكلام الصعب، ربما، أن اللاجئ الفلسطيني لا يستريح حتى في مماته.

» الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين تطلق أسماء من استشهدوا في ذكرى النكبة على بعض الساحات في مخيمات دمشق
» تقرير ل"شاهد" عن التوترات الاجتماعية في مخيمات صور
» قضية «المطلوبين الفلسطينيين» بين «شاهد» والقوى الإسلامية
» "شاهد": لتحييد الفلسطينيين عن أي خلاف لبناني داخلي
» «شاهد»: إقفال الصيدليات يزيد من تهميش الفلسطينيين