مدير «الأونروا»: آن الأوان لتحويل التزام البيان الوزاري إلى واقع والتأخر في إعمار البارد مكلف على مستوى الاستقرار أيضاً

لا تجوز مقارنة اللاجئين الفلسطينيين في الشتات باللاجئين من سائر أقطار الدنيا الآخرين. فللقضية الفلسطينية خصوصية، للأسف، فريدة، ولاجئوها لم يغادروا فلسطين طوعاً بل أجبروا على المغادرة في عملية تطهير عرقي منظمة نفذت على أرض فلسطين تمهيداً لقيام دولة إسرائيل.
وفي السياسة، تجهد إسرائيل، والدوائر السياسية والثقافية والفكرية الصهيونية للترويج لفكرة أن الفلسطينيين لاجئون كسواهم، وليس من داع لأن يكون لهم منظمة خاصة تعنى بأوضاعهم، بل يجب أن يسجلوا ضمن الهيئة العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة.
تهدف تلك المساعي إلى نزع أي صفة سياسية عن القضية الفلسطينية وتحويلها إلى ما يشبه «المأساة الإنسانية» التي يمكن أن تكون ناجمة عن غضب الطبيعة مثلاً، فيما هي اليوم، في العرف والقوانين الدولية، قضية يتحمّل مسؤوليتها المجتمع الدولي بأسره، لكونه فشل على امتداد 62 عاماً في تنفيذ قرارات مجلس الأمن العائدة للعام 1947 والتي تنادي بدولة للشعب الفلسطيني، وبحقوقه السياسية.
كما تهدف المساعي أيضاً إلى تعطيل «منظمة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (أونروا) ووقفها عن العمل نهائياً، بحجة أن لا داعي لتحمّل أعبائها المادية وهناك منظمة دولية أخرى تعنى بشؤون اللاجئين. ولعل الحصار المادي الذي تعاني منه الأونروا اليوم والعجز المالي الذي لم تشهد له مثيلاً منذ تأسيسها، يأتيان في السياق ذاته.
بناء عليه، لا تأتي هذه المقابلة مع المدير العام للأونروا في لبنان سلفاتور لومباردو في سياق إحياء «يوم اللاجئ العالمي» من المنطلق ذاته. بل إن الهدف منها ربما يكون العكس تماماً: إظهار مدى اختلاف هذه القضية عن سواها.
قبل أيام فقط، أعاد لبنان تأكيد «مساهمته» المستدامة في غبن الفلسطينيين وطمس أدنى حقوقهم، رافضا منحهم أبسط حقوقهم في العيش اللائق والكريم انتظاراً لتحقيق العودة. وكادت جمهورية الطوائف تجمع على رفض إقرار أربعة اقتراحات قوانين تضمن لهم الحق في العمل (بندان) والضمان الاجتماعي والتملك في بلاد مشرّعة ممتلكاتها لمن هبّ ودبّ من المتمولين الذين يمعنون في تهجين البلاد وأهلها.
يوما بعد يوم، تستمر «السياسة اللبنانية» في محاصرتهم، فيما تجهد وكالة الغوث لتحسين ظروفها المالية لتتمكن من الاستمرار في تسيير شؤونهم، وهي الطرف الوحيد المعني بذلك في لبنان: الحد الأدنى من الصحة والتعليم والعمل لنحو أربعمئة ألف فلسطيني مسجلين في لبنان من بينهم ... ما يقارب 30 ألف نازح من مخيم نهر البارد مازالوا مشردين منذ أكثر من ثلاث سنوات.
يؤكد سالفاتور لومباردو أنه على الرغم من استقالة السفير خليل مكاوي من منصبه في رئاسة لجنة الحوار اللبنانية الفلسطينية، وفشل المساعي لتعيين وزير معني بالملف الفلسطيني في لبنان، إلا أن «الأونروا» تستمر في التنسيق مع «لجنة الحوار بهدف تحسين ظروف عيش اللاجئين الفلسطينيين»، مضيفاً أن «علاقتنا بلجنة الحوار ممتازة وهي تبقى شريكاً أساسياً لمعالجة أمور الفلسطينيين في لبنان»، ومشدداً على أنه «من مصلحة الجميع المحافظة على هذه الشراكة وتعزيزها».
ويشار إلى أن لجنة الحوار هي الجهة الرسمية المدنية الوحيدة في لبنان المخوّلة التعاطي مع الملّف الفلسطيني، أقلّه في الشق المتعلّق بالحدّ الأدنى من التنسيق اللازم بين الطرفين لتأمين متطلبات اللاجئين الأساسية.
ويتجنّب لومباردو الإجابة عن سؤال حول رأيه بطريقة تعاطي الدولة اللبنانية مع الملف الفلسطيني، أو عما يحكى في الكواليس عن استياء الأونروا من كيفية إدارة اللبنانيين للملف، مشيراً إلى أنه «لا يمكن التشكيك في التزام الحكومة اللبنانية بمعالجة وضع الفلسطينيين»، ومذكراً بأن ذلك «ورد في البيان الوزاري».
إلا أن لومباردو يعرب عن اعتقاده بأن «الأوان قد آن لتحويل الالتزام إلى تحسين ملموس في حياة اللاجئين» معتبرا أن «النقاش الذي حصل مؤخرا في البرلمان يظهر أن هناك دعوة عارمة لإعادة الكرامة إلى اللاجئ الفلسطيني».
وفي ما يتعلّق بالحملة الدولية الرامية إلى حلّ وكالة «الأونروا» وضم فلسطينيي الشتات إلى «المفوضية العليا لشؤون اللاجئين ومدى ارتباط ذلك بعدم رفع حجم الهبات المقدّمة للأونروا بحسب المتطلبات، يقول لومباردو إن وكالته «تبقى ملتزمة بخدمة اللاجئين الفلسطينيين وفقاً لقرار الجمعية العمومية للامم المتحدة الرقم 302 (IV). وفي غياب أي حل لقضية اللاجئين، قامت الجمعية العمومية بتجديد ولاية الأونروا باستمرار».
ويلفت إلى أن «لكل من الأونروا و«المفوضية العليا لشؤون اللاجئين» مهام مختلفة تماماً» مؤكدا أنه لا يعتبر «أن هناك أي نقاش جدي حول انتقال المهام الذي هو من الافتراضات التي لا أساس لها. إننا ملتزمون الاستمرار في خدمة اللاجئين الفلسطينيين إلى حين تنتفي الحاجة لخدماتنا اليومية في التعليم والصحة والإغاثة».
وعن حجم العجز الذي تعاني منه «الأونروا» اليوم والحلول المقترحة لسدّه، يقول لومباردو إن الوكالة «تحتاج اليوم إلى ما لا يقل عن مئة مليون دولار للمحافظة على الخدمات التي تقدّمها للاجئين في مناطقها الخمس (لبنان، سوريا، قطاع غزة، الضفة الغربية والاردن)».
ويؤكّد أن الوكالة تسعى «بقيادة مفوّضها العام وبفضل جهوده إلى حلّ المشكلة عن طريق حث الجهات المانحة الكريمة والمعتادة على زيادة مساهمتها للوكالة، وأيضاً عبر توسيع شبكة الجهات المانحة لتشمل المزيد من الجهات العربية والقطاع الخاص».
ودعا لومباردو «الجميع للمساعدة في تغطية هذا العجز لمصلحة اللاجئين ولمصلحة الدول المضيفة»، مشيراً إلى أنه يدعم قيام «جامعة الدول العربية بحثّ أعضائها مؤخراً على رفع مستوى دعم ميزانية «الأونروا» السنوية ليصل إلى سبعة في المئة».
أمّا تأثير العجز المالي على البنى التحتية والخدمات في المخيمات في لبنان فهو أنه منع «الأونروا» حتى الآن «من إحداث الفرق الذي تسعى إليه في ما يتعلق بتقديم خدمات بالجودة التي يرغب بها اللاجئون ويستحقونها».
إلا أن لومباردو يشير في الوقت عينه إلى «بعض التحسينات» التي نُفّذت كمثل «تحسين الخدمات الاستشفائية هذه السنة وإطلاق عمليات إصلاح طويلة في الخدمات الصحية والتعليم».
ومع ذلك، يؤكد لومباردو «أننا لن نتمكن من إحداث التحسينات الطويلة الأمد والفعلية من دون ضخّ المزيد من التمويل. وتبقى البنى التحتية في المخيمات بحالة مزرية. لدينا أربعة آلاف مسكن بحاجة ماسة إلى إعادة البناء أو التصليح فيما ينتظر العديد من العائلات تحسيناً أساسياً لظروف عيشهم».
وقد أدى تراجع مستوى الخدمات، كماً حيناً ونوعاً أحياناً أخرى، إلى تنظيم عدد كبير من التحركات والاعتصامات بين فلسطينيي مخيمات لبنان على امتداد العامين المنصرم والحالي.
ويعرب لومباردو عن «تفهمه» لرد فعل اللاجئين «الذين يشعرون أن العالم قد نسي مأساتهم»، مشدداً على انه «من واجبنا أن نصغي إلى همومهم ونلبي حاجاتهم قدر المستطاع، ونحن هنا لنحافظ على مصلحة المجتمع الفلسطيني وفخورون في الاستمرار في التمسك بقيم الخدمة غير المنحازة من دون أي تدخّل سياسي».
وهو يؤكّد انه، و«خلافاً للمعلومات الخاطئة التي أطلقتها أقلية من الناس، فإننا لن نخفّض من خدماتنا بل نتجّه نحو تحقيق المزيد من التحسينات إن تمكّنا من الحصول على المزيد الموارد»، شارحاً أنه خلال الصيف الحالي «سنتمكن من تحقيق المزيد من التحسينات في حياة الشباب الفلسطيني. إننا نطبّق برنامج تقوية هذا الصيف يستهدف أحد عشر ألف طفل وبرنامجاً ترفيهياً لستة آلاف طفل آخر. يتطلّب التغيير الحقيقي الوقت والجهود الحثيثة وموارد إضافية كما يتطلّب دعم المجتمع المحلي من دون أي تدخّل سياسي».
وفي ما يتعلّق بجهود إعادة إعمار نهر البارد أسباب تأخرها يوضح لومباردو أنها «المرة الأولى التي تتمّ فيها إعادة بناء مخيم فلسطيني بعد دماره، وإننا بطريقة ما نعيد تصميم كل شيء من الصفر».
ويشير إلى أنه «منذ أن بدأ صبّ الإسمنت في 25 تشرين الثاني 2009، أصبح 70 في المئة من الرزمة الأولى (من المباني) قيد الإنشاء». مؤكدا أن «الأونروا» تقوم «بالتنسيق الوثيق مع المقاول لتسريع وتيرة العمل وتجنب المزيد من التأخير في إنهاء الرزمة المرتقب في نهاية العام».
إلا ان لومباردو يشير في الوقت ذاته إلى أنه «لا يمكن إنجاز كل ذلك من دون التزام كل الشركاء المعنيين بالمُهل ومتابعة التنسيق واستمرار الحكومة اللبنانية والمجتمع الدولي في دعم المشروع»، مذكّراً أن «المهلة المحددة لإنهاء إعمار المخيم هي نهاية العام 2012. لكن لا يمكن الالتزام بهذه المهلة من دون توافر التمويل، الذي لم نحصل إلا على ثلاثين في المئة منه».
ويُعرب عن أمله بألا «تظهر عوائق أخرى تؤخر الإعمار كاكتشاف آثار أخرى».
إلى ذلك، يشدد لومباردو على «أن السرعة مطلوبة، والتأخير يعنيان ارتفاع كلفة المشروع بالنسبة إلى الجهات المانحة من الناحية المالية وإلى النازحين من الناحية الإنسانية، وحتى على لبنان بالنسبة إلى الاستقرار. ومن المكلف للغاية إبقاء حوالى 30000 شخص في حال النزوح، حيث يكونون بحاجة أكبر إلى الدعم مثل توفير الغذاء والمسكن والخدمات الطبية وغيرها»، مؤكداً أن «الأونروا» تسعى «إلى إنهاء الإعمار في المُهل المحددة، لكنها بحاجة إلى دعم شركائها لذلك».
وعن قرار مجلس النواب الخاص بمشاريع القوانين الأربعة المتعلّقة بالحقوق المدنية للفلسطينيين، وعن الحراك المستمر من قبل الهيئات المدنية الفلسطينية للمطالبة بحق العمل، وعن إمكانية أن يكون للأونروا دور يمكن أن تؤديه بهذا الخصوص، فيقول إن وكالته «تدعم أي مبادرة من شأنها أن تمكّن الفلسطينيين في لبنان أن يعيشوا حياة كريمة ويعتمدوا على أنفسهم».
وهو «يحثّ جميع الأطراف على الاستمرار في بذل الجهود من أجل تحسين ظروف عيش اللاجئين الفلسطينيين في لبنان»، معتبراً أنه «لم يفت الأوان لإحداث الفرق».
وجع غزة
أما الحديث عن غزة فهو ربما الأكثر وجعاً. ويؤكد لومباردو أن حصار القطاع هو «غير قانوني وتطالب «الأونروا» بإنهائه ورفعه».
ويورد أرقاماً تعكس واقع قطاع: «ثمانون في المئة من قطاع غزة يعوّل على المساعدات، أربعون في المئة من سوق العمل عاطل عن العمل، كما انهارت نحو ثلاثة آلاف مؤسسة منذ بدء الحصار في حزيران 2007، وارتفع عدد الأشخاص الذين يأتون طالبين المساعدة من «الأونروا»- وهم أفقر الفقراء العاجزين عن إعالة أسرهم - من مئة ألف شخص إلى ثلاثمئة ألف شخص في السنة الماضية».
ويشير لومباردو إلى وجود أزمة في نظام الصحة العامة «وتحتاج «منظمة الصحة العالمية» بشكل طارئ إلى مبلغ عشرين مليون دولار من المواد الطبية والتجهيزات لغزة»، أما النظام التربوي «فيواجه أزمة إذ لم يتمكن تسعة وثلاثون ألف طالب من التعلـّم لدى الأمم المتحدة، لأننا لم نتمكّن من إعادة بناء المدارس طوال سنوات، حتى قبل الأحداث الأخيرة».
ويسأل لومباردو «إن القيام بتثبيت سور حول مكان يسكن فيه مليون وخمسمئة ألف شخص والسماح بإدخال 75 شاحنة يومياً تقريباً، ألا تبدو هذه الأرقام غريبة؟ لذلك، نطالب برفع الحصار وليس بتخفيفه، حتى تنتهي مأساة مليون وخمسمئة ألف شخص، أكثر من نصفهم من الأطفال».

» مدير عام 'الأونروا' يشرح مراحل إعادة إعمار مخيم البارد
» أهمية مواصلة الجهد مع الأونروا لإعادة إعمار البارد محور اللقاء بين السفير عبد الله والرئيس ميقاتي
» مذكرة فلسطينية تطالب بإدراج ملف «البارد» في البيان الوزاري
» تشارلز هيغنز، مدير وحدة الشمال في الأونروا والمسؤول عن إعادة إعماره مخيم نهر البارد
» «الأونروا»: مؤتمر لتمويل إعمار البارد