جُند الشام إلى الواجهة من بوابة الرُّعب والإرهاب

إذاً، لم يجرِ استيعاب تنظيم «جُند الشام» كما سبق أن قيل أكثر من مرة، وكما أعلنت جهات عديدة، سواء بطريقة مباشرة أو عبر تسريبات أمنية كانت تفيد، إلى يوم قريب، بأن التنظيم بحكم المنتهي، وجرى استيعاب كل عناصره ونشاطاتهم ضمن قوى بدأت تثبت نضجها كعصبة الأنصار. إلا أنّ عصبة الأنصار ليست مسؤولة عمّا حصل في مخيم عين الحلوة منذ أيام، لا مباشرة ولا مواربة. بل هناك من يتهم جهات أخرى بإنعاش حالة التوتر في المخيم. وكالعادة، إن اشتباك داخل أزقة مخيم محاصر على طرف مدينة لبنانية، يحمل تفسيرات تكاد تلامس المعارك الكونية مع الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية.
والذين يراقبون الأوضاع الفلسطينية عن كثب، وبقلق متزايد، يتحدثون عن تفاصيل إضافية؛ فليس ما يقلقهم فقط إنعاش جند الشام، وإعادتها إلى افتعال حالة من المشكلات المتجددة، وهي المجموعة التي ارتبطت في فترة ماضية، وتحديداً قبل حرب مخيم نهر البارد وخلالها، باسم السيدة بهية الحريري، حين أصبح الصيداويون وأبناء مخيم عين الحلوة يدعون المجموعة باسم «جنود الست». ثم، مع الوقت، جُفِّفَت أموال الشبان الناشطين في المجموعة، وهي لم تكن أموالاً طائلة بكل الأحوال، واستوعب عدد من عناصرها ضمن أطر أخرى، ورُبطوا سواء بالعصبة أو بقوى أخرى.
وكان قد سبق أن حظيت مجموعة «جند الشام» بسمعة سيئة لتعدد الإشكالات التي شارك فيها عناصرها، ولسرعتهم في إطلاق النار قبل إعطاء أي فرصة للاتصالات السياسية، ولانعدام الانضباط الذي كان يشكوه أهل المخيم، حيث اكتسبوا صفة الرعب والإرهاب، وجعلوا أوضاع القاطنين، وخاصة في الحيّ الذي يتمركزون فيه، جحيمية.
إلا أن مرحلة تنقية الأجواء التي عملت عليها القوى الفلسطينية، من منير المقدح وفصائل أخرى، والجانب اللبناني، وخصوصاً استخبارات الجيش، أدت إلى ضبط الأمور في المخيم، إلى حدّ كبير، وإلى مجموعة من التفاهمات غير المعلنة.
إلا أن الأوضاع الفلسطينية الداخلية من ناحية، والصراعات الفتحاوية ـــــ الفتحاوية، وسعي بعض القوى اللبنانية إلى إعادة إمرار مشاريع من بوابة الرعب والإرهاب في المخيمات من ناحية أخرى، كلها أدت إلى ما يصفه مراقبون ومتابعون ومعنيون بأنه إعادة إشعال وضع المخيمات مع مقدمات تمهّد لتفريغها. وتبدأ هذه المحاولات من المخيم الأكثر اكتظاظاً، والأسرع اشتعالاً، عين الحلوة، لا من مكان آخر.

من كافح من أجل الحقوق المدنية للفلسطينيين يستغرب مزايدة أطراف عنصرية
على خط آخر، يشتكي بعض نواب مناطق في الجنوب، من سعي قوى نافذة إلى تحويلهم إلى سماسرة عقارات، مع طلب إحدى الشخصيات منهم البحث عن عقارات في محيط منطقة جزين، حيث يجري تملك مساحات واسعة من الأراضي. ويقول المتابعون والمعنيون بالملف إن هناك محاولة لدفع «الحقوق المدنية للشعب الفلسطيني في لبنان» من كونه مطلباً محقاً ويمثّل حلاً لأزمة سياسية ـــــ إنسانية يعيشها أكثر من 400 ألف فلسطيني مسجلين على لوائح وكالة «الأونروا»، إلى شعار يتستر خلفه من يسعى إلى تحويل الفلسطينيين من لاجئين ينتظرون أوان العودة، إلى جالية فلسطينية في لبنان، ودفعهم إلى خارج نطاق المخيمات، وتمليكهم شققاً في مجمعات سكنية خارجها، بمساعدات دولية سخية.
ويبدي هؤلاء مخاوف من الموافقة الكبيرة التي يحظى بها عنوان الحقوق المدنية للفلسطينيين، علماً بأن هناك قوى في لبنان عملت على مدى العقدين الماضيين على هذا العنوان، بالتعاون مع القوى الفلسطينية المختلفة، من دون الوصول إلى أي نتائج، ما عدا الخطابات العنصرية اللبنانية التي بدأت من خطاب ميشال المر الشهير «لا نحتاج إلى المزيد من النفايات البشرية»، وصولاً إلى كل مواقف النائب نعمة الله أبي نصر. واليوم، انعطف الخطاب السياسي «اللبنانوي» فجأة نحو المزايدة على من كان يطالب بإقرار أبسط الحقوق الإنسانية للاجئين الفلسطينيين في المخيمات المحاصرة والمدمرة.
ويتكهن بعض المعنيين بالملف الفلسطيني بأن موجة جديدة من تصفية الحسابات الأمنية الفتحاوية قد تؤدي إلى تسريع تفريغ المخيمات من جهة، ودفع الفلسطينيين نحو الانتحار السياسي من جهة أخرى، مع دعم شبه رسمي لعمليات توطين واسعة. ويحبطون حين يشيرون إلى أن المعالجات تقتصر على الجانب الأمني... كالعادة.