إيـلــي أســود مـقـاتــل لم يـطلــق رصـاصــة واحــدة فــي الحــرب

ما إن وصل أنطوان اسود إلى قصر المختارة، حتى طلب كمال جنبلاط إدخاله مباشرة إليه. يجلس أنطوان إلى جانب كماك بك في احد صالونات القصر والى جانبه ابنه ايلي ولم يكن قد تجاوز العشر سنوات. في صدر الغرفة الواسعة علقت قصيدة نظمها «ابو ايلي» للسيدة نظيرة والدة زعيم المختارة. مشهد الزيارة يتكرر مرات عدة في طفولة ايلي اسود.
في زمن آخر، تقلب السياسة المعادلة. يحاول رئيس منظمة طلاب حزب الوطنيين الاحرار في الجامعة اليسوعية إيلي اسود مع رفاق له منع كمال جنبلاط من إلقاء محاضرة دعته اليها ادارة الجامعة عام 1972. كان ايلي قد التقط مبكرا الخطاب الشمعوني... والبداية من مركز الحزب في فرن الشباك حيث كان يتردد مع رفاق له في المدرسة وكذلك من رابط نسب جمع والدته مع الزعيم الماروني، فضلا عن ازدهار عامل التخويف من الوجود الفلسطيني في لبنان. تلك الصناعة التحريضية العنصرية كانت قد قادته إلى مخيمات التدريب على السلاح في العام 1967، وهو في السابعة عشرة من العمر.
صدامات الجيش الللبناني مع الفلسطينيين في الكحالة عام 1969 أوصلت التعبئة الى ذروتها. اعتصامات وتظاهرات في الجامعة اليسوعية ضد الوجود الفلسطيني المسلح يشارك فيها ايلي اسود بفعالية، قابلتها الأحزاب اليسارية بتحركات مضادة. وبين هذا وذاك، كانت مدارس الشعارات المتقاتلة تخرج توترات وأحداثا أمنية متتالية ممهدة للحرب الاهلية.
واكب ايلي اسود ارتدادات الحرب منذ بدايتها في نيسان 1975. ليلة بوسطة عين الرمانة قضاها في الشارع قابضا على السلاح. سهرة أعقبتها ليال انخرط خلالها المحامي الشاب في ما عرف بـ«حرس الأحياء». يتحدث عن تجريته مع رفاق له في تحويل منطقة السوديكو احد معاقل حزب الوطنيين الاحرار في الحرب الى ما يسميها «جزيرة آمنة». يقول ايلي اسود: «تراجعت الجريمة وأعمال المخدرات والسرقات في المنطقة، لكن قرار منع الخوات في المنطقة أثار اعتراض الحلفاء ولا سيما الكتائبيين وجعلهم في سعي دائم لافتعال التوترات معنا».
رفضت ادارة الجامعة اللبنانية طلبا من ايلي اسود لفتح فروع لها في المنطقة الشرقية عام 1976. يصدر وزير التربية كميل شمعون قرارا بعدم قانونية استحداث الفروع. موّلت «الجبهة اللبنانية» استئجار المباني وتجهيزها. يمتنع رئيس الجامعة اللبنانية الدكتور ادمون نعيم عن دفع رواتب الاساتذة والعاملين فيها. تهديد مباشر يتلقاه نعيم من رئيس منظمة طلاب حزب الوطنيين الاحرار ايلي اسود يحول رفضه الى قبول قسري.
أسئلة تحضر في العلاقات بين الرئيس كميل شمعون وحزب الكتائب يجيب عنها ايلي اسود بالوقائع الآتية:
أبعد الكتائبيون شمعون عن مجرى العلم ببعض القرارات قبل تنفيذها. علم شمعون من الاذاعات بزيارة رئيس الوزراء الليبي عبد السلام جلود الى المنطقة الشرقية في العام 1976. اصطحاب كريم بقرادوني لياسر عرفات الى الاشرفية أثار جدلا واسعا مع بيار الجميل. يومها قال شمعون: يبدو ان شبابنا يموتون على الجبهات من أجل لا شيء. معركة تل الزعتر بدأها «الشماعنة» بهجوم مفاجئ على المخيم. وضع الكتائبيون الحواجز في طريق حلفائهم وأعاقوا تقدمهم لساعات، الامر الذي اعتبره الرئيس شمعون تواطؤاَ مكشوفاَ مكن عناصر المخيم من التيقظ والاستعداد. وقع شمعون مرة اخرى ضحية المفاجأة. لم يعلم بتوقيت الهجوم السوري على القوات المشتركة اللبنانية الفلسطينية في الجبل في العام 1976، إلا بعد ان دارت المعارك. ينظر في منزله الى الضابط في الجيش اللبناني ادونيس نعمة بحضور ايلي اسود ويقول: «كيف يجري كل هذا وأنا لا أعلم شيئا. تبين له في ما بعد ان السورييين أبلغوا رئيس قسم المتن الشمالي الكتائبي أمين الجميل قرارهم بالهجوم وقرر الخير أن يبقيه سرا حتى على حلفائه».
يقول ايلي اسود انه لم يدخل نفق العلاقات القواتية الاسرائيلية. لكنه قرأ النوايا في نوعية السلاح المرسل الى «القوات»: «أرهقنا الناس بالجبايات من أجل أن ندفع ثمن سلاح إسرائيلي تبين أن قسما كبيرا منه عديم الفاعلية».
أهداف مجزرة السابع من تموز الشهيرة في العام 1981 ضد «الأحرار» تلمسها ايلي اسود في فكر بشير الجميل قبل وقوعها. قائد «القوات» يستدعي إيلي وعددا من قياديي «الأحرار» في نهاية العام 1980. يمهل بشير الرئيس شمعون ستة اشهر لوضع «نمور الاحرار» بإمرة «القوات اللبنانية». صدام بين الكتائب و«الاحرار» قبل يومين من المجزرة يقتل فيه تسعة كتائبيين في منطقة وادي شحرور (قضاء عاليه). اجتماع طارئ للمكتب السياسي الكتائبي والأجواء تتجه الى «إهدن جديدة». إلحاح من ادمون رزق وجورج سعاده على داني شمعون لحضور الاجتماع وتسوية الوضع مع بشير، لكن قائد «نمور الأحرار» يرد بالرفض. يبلغ جورج سعاده إيلي اسود بأن الامور خرجت عن السيطرة. موقف لا يعيره داني اهتماما.
لم يدهش أحد باستقبال الرئيس كميل شمعون لبشير الجميل بعد يومين من المجزرة اكثر من بشير نفسه كما قال في ما بعد لإيلي اسود. تتسع دائرة المفاجآت بموافقة رئيس الجمهورية السابق على طلب بشير استلام ايلي اسود مكان داني شمعون نائبا لقائد «القوات». الهدنة لم توقف الملاحقات الكتائبية المنظمة للعناصر الشـمعونية لفترة من الزمن.
وجد الاسرائيليون في طلب بشير الجميل إقامة ثكنات له في سوق الغرب وبحمدون فرصة ذهبية لتغذية الخلافات بين المسحييين والدروز في المنطقة. كانوا يعرفون سلفا ان تحكم القوات بالمنطقتين سيكسر معادلة التعايش في المنطقة.
موقف رافض للتدخل في الجبل سجله نائب القائد ايلي اسود في اجتماعات القيادة. لم تنفع مناشدات الرئيس شمعون بتسليمه هذا الملف، لا سيما أن أحد أهداف تدخل بشير في الجبل «هو الحد من النفوذ الشمعوني التاريخي في الجبل» يقول ايلي اسود.
مشهد عاصف ارتسم في الاجواء القواتية مع إصرار أمين الجميل على إعادة «القوات اللبنانية» الى بيت الطاعة الكتائبي بعد رحيل بشير الجميل. أوعز الرئيس الجميل للجناح الموالي له في مجلس القيادة بالضغط على فادي افرام وإثارة البلبلة من حوله بغية دفعه للاستقالة. كان يريد استبداله بابن شقيقته فؤاد ابو ناضر. مشهد كاد يفجر صراعا دمويا تدراكه افرام بالاستقالة الطوعية من قيادة «القوات».
تفاقم الخلافات بين أركان قيادة أبو ناضر، دفع ايلي اسود الى أخذ جانب المنتفضين على قيادته وعلى الرئيس الجميل في 12 آذار 1985. يناشده كميل شمعون التراجع عن قراره ويقول له «هذه الانتفاضة ستنتهي الى نتائج وخيمة بين أركانها».
يخبر فادي افرام ايلي اسود عن ورقة سلمها كريم بقرادوني وسمير جعجع الى أمين الجميل تتضمن موافقة على تسليم سلاح «القوات» والمرافئ غير الشرعية إلى الدولة اللبنانية. الورقة التي لم تناقش في مجلس القيادة حصل عليها ايلي حبيقة من درج مكتب رئيس الجمهورية دون علمه.
يرسم ايلي اسود مشهد اللحظات الاخيرة قبل التوقيع على الاتفاق الثلاثي عام 1985. وافق مجلس قيادة «القوات» بالإجماع على التوقيع. الاجتماع الاخير قبل التوجه الى دمشق كان بين ايلي حبيقة والرئيس كميل شمعون وحسم فيه الاخير موافقته على الاتفاق بعد ان أعلمه حبيقة ان البند المتعلق بتدريب الضباط اللبنانيين في دمشق قد تمت صياغته في المجلس العسكري اللبناني.
تفجير الاتفاق «كان بسبب خلو التركيبة الوزارية المتداولة في حينه من ممثلين للرئيس الجميل وسمير جعجع والرئيس كميل شمعون» يقول ايلي اسود. حاول كريم بقرادوني إقناع القيادة السورية بتوزير سمير جعجع. تحفظ السوريين مرده علاقته بـ«مجزرة اهدن».
يركز ايلي اسود اليوم على حياته المهنية في عالم المحاماة. عمله السياسي في إطار «تجمع قدامى القوات اللبنانية» فتح له آفاق إجراء مراجعة نقدية وتقديم قراءة سياسية جديدة. يقول: نحن اليوم حراس الذاكرة والسلم الاهلي. نسعى لتأسيس مشروع جديد يحمي لبنان من الاخطاء التاريخية الفادحة التي ارتكبناها جميعا. موقعنا السياسي اليوم أقرب الى المعارضة ولا سيما العماد ميشال عون وزيارة سوريا «مشروع وارد».
يختم ايلي اسود بالقول «أنا المقاتل الوحيد الذي لم أطلق رصاصة واحدة طيلة سني الحرب»!

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]

» إغلاق فيسبوك فــي آذار؟!
» نداء لدعم الأطفال المعوقين فــي مخيــم البــصّ
» ألغاء نظام التصــاريح فــي "البارد" الأسبوع المقبل
» اســتراتيجية حمــاس لمواجهــة العزلــة: لا مشــاركة فــي أي حكومــة فلســطينية
» ثوار ليبيا يهاجمون المربع الأخير لأتبــاع القذافــي فــي ســرت