تعليق إخباري: لماذا ترفض حركة حماس الانتخابات

أصدرت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية بيانًا عقب انتهاء اجتماعها، تدعو فيه إلى إجراء الإنتخابات الرئاسية والتشريعية في الأراضي الفلسطينية قبل شهر أيلول المقبل، ودعت التنفيذية كل الأطراف إلى أهمية أن تضع جانبًا جميع تحفظاتها، وأية نقاط خلافية كذلك، وأن نركز معا على إجراء الإنتخابات في موعد لايتجاوز أيلول المقبل، أما الخلافات سواء كانت متعلقة بأمور سياسية أو أمنية، فيمكن إحالتها إلى المجلس التشريعي للبث فيها.

حماس بدورها وعلى لسان ناطقها الرسمي فوزي برهوم رفضت دعوة التنفيذية لإجراء الانتخابات، حيث اعتبرتها 'باطلة و غير قانونية، وليس لها سند قانوني ولن تعطيها حماس أي غطاء'، بدون إعطاء أية تفاصيل أو تصورات حول رؤية حركته وإلى شكل الانتخابات وأي سند قانوني بديل والجهة القانونية التي تمتلك السند القانوني والمؤهلة للدعوة للانتخابات، أي نحن إزاء رفض إجرائها بدون مصوغات، هذا الغموض في موقف حركة حماس يستدعي الإجابة على سؤال عن حقيقة موقف حركة حماس ومن خلفها حركة الإخوان المسلمين من الإنتخابات ومن مبدأ التداول السلمي للسلطات...؟.

تدرك حركة حماس جيدا، بأن أية انتخابات تجري ستخسر فيها، وبالتالي سيظهر حجمها الحقيقي، وهذا الإدراك وصلت إليه ليس فقط من خلال ما أشارت إليه استطلاعات الرأي الأخيرة، والتي تقوم بها مؤسسات بحثية مستقلة، من تدني شعبيتها، بل أيضا هي تقوم بإجراء استطلاعات للرأي بشكل متواصل من خلال الجامعة الإسلامية أو من خلال جمعيات ومؤسسات موالية لها، فهي إذا متيقنة من ذلك، ولا تشكك فيه، سمعنا بتصريحات سابقة لقيادات في حركة حماس، تقول أن المصالحة تعني إسقاط حماس من الحكم، ذلك لأن أهم بنود المصالحة هو إجراء الانتخابات، الأمر الذي تخشاه الحركة وكذلك يشار إلى حديث غير معلن لخالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، لأحد الكتاب المحايدين وطلب عدم نشره منذ أقل من عامين، 'بأنكم تطالبونا بالاحتكام للشعب وبالموافقة على إجراء الانتخابات، نحن موافقون والكلام لمشعل، ولكن بشرطين الأول تسليم حركة حماس أموال إعادة إعمار قطاع غزة 'أي الأربعة مليارات التي حددها مؤتمر شرم الشيخ الذي عقد بعد الحرب مباشرة' حتى تشرف حركة حماس على الإعمار وأعطونا مهلة ثلاث سنوات عندما نستكمل إعادة الإعمار، نذهب للانتخابات، معلل ذلك بأن حكومة حماس لم تأخذ فرصتها وحوربت، وبالتالي لم تستطع تحقيق برنامجها، والمواطنين لم يتلمسوا إنجازات كبيرة لها، والسبب الثاني هو منظمة التحرير الفلسطينية حيث يعتبرها مشعل فاقدة للشرعية، وهو يريد مرجعية جديدة، بالطبع بهوية إسلامية وتحت عباءة حركة الإخوان المسلمين.

إن عدم موافقة حركة حماس على إجراء الإنتخابات يدلل على مدى تشبثها بمصالحها الخاصة الفئوية على حساب المصالح العليا لشعبنا الواقع تحت الاحتلال، فهل يعقل في اللحظة التي تنتشر فيها ثقافة الحرية والديمقراطية ومبدأ التداول السلمي للسلطات، ثقافة الشراكة السياسية 'بدل التسلط وحكم الحزب الواحد'، ودور الشعب في التغير وفي تعزيز الديمقراطية وصون الحريات العامة وحرية الأحزاب في البلاد العربية قاطبة وخاصة في تونس ومصر يخرج طرف فلسطيني يقف ضد الاحتكام للشعب ضد إجراء الانتخابات، طرف يريد أخذ القضية الفلسطينية بمؤسساتها رهينة لأهداف وأجندات خبرها شعبنا ولمس مدى خطورتها على القضية الوطنية.

حركة حماس مازالت رهينة لأفكار ومرجعيات فكرية عتيقة، أزاحها العقل والمنطق وقوة الواقع أفكار سيد قطب وأبو الأعلى المودودي وتأثيرات الوهابية التي دخلت مصر منذ السبعينيات وأفرزت المجموعات التكفيرية التي عانت منها مصر وشعبها ردحًا طويلا من الزمن، لدى هذا الفكر الشعب ليس مرجعا مؤسساتيا، وسمعنا من قيادات حركة حماس ما يؤشر على مدى تأثرهم بذلك 'الحكومة الربانية – المعصومة عن الخطأ غير خاضعة للنقد أو التقييم – الإمام الرباني- نحكم بأمر الله ........إلخ'. هذه الأفكار والمرجعيات بالطبع هي معارضه ونقيضه للديمقراطية والحريات العامة، ومبدأ التداول السلمي للسلطات، ولو نظرنا لتجربة حماس في حكم قطاع غزة، لوجدنا مئات الشواهد التي تدلل على ذلك.

إن السكون وعدم المبادرة والارتهان لأجندات خارجية 'مجرد ورقة ضغط ' الحالة التي تعيشها حماس يقابلها الحركة النشطة والمستمرة والمبادرات الذاتية سواء على صعيد بناء المؤسسات وتعزيز تجسيد الدولة الفلسطينية على الأرض، برنامج الحكومة الفلسطينية برئاسة د. سلام فياض، والحملة الدولية في العالم لنيل الاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس إلى جانب النشاط الدبلوماسي في مجلس الأمن والأمم المتحدة والمؤسسات الدولية، كله هذا يؤشر إلى مدى صوابية الموقف الفلسطيني الذي يقوده الرئيس محمود عباس، وإن استكمال هذا النشاط يرافقه تعزيز شرعية المؤسسات الفلسطينية بالاستناد إلى رأي الشعب مصدر السلطات، وقرار مجلس الوزراء الفلسطيني الذي استند إلى قرار محكمة العدل العليا في إجراء الإنتخابات المحلية في شهر تموز من هذا العام، وقرار اللجنة التنفيذية بإجراء الإنتخابات الرئاسية والتشريعية قبل شهر أيلول القادم يجسدا ذلك ويدللان عليه.