تركيا ما بعد انتخابات 12 حزيران: الأكراد وسوريا

قد تكون المرة الأولى التي ينشغل فيها الناخب التركي عشية انتخابات عامة بموضوعات أخرى غير ما يمكن أن تسفر عنه من نتائج لصالح هذا الحزب أو ذاك.
وفي ظل استطلاعات رأي تؤكد ضمان حزب العدالة والتنمية الفوز منفردا بالسلطة للمرة الثالثة، باتت الأنظار تتجه إلى مكان آخر. ويجمع المراقبون على أن موضوعين سوف تتركز الأنظار عليهما بعد الانتخابات: المسألة الكردية والوضع في سوريا.
وأظهر استطلاع للرأي نشرته مؤسسة «دور إينسايت» أمس أن حزب العدالة والتنمية سيفوز للمرة الثالثة على التوالي في الانتخابات المقبلة لكن نصيبه من الأصوات سيقل عن نسبة 46 في المئة التي حصل عليها في انتخابات عام 2007. وأشار إلى أن نسبة تأييد «العدالة والتنمية» تقف عند 39 في المئة.
وباتت المسألة الكردية محور السجالات والتوقعات، في ظل التهديدات والاشتباك السياسي الحاد بين الفرقاء السياسيين، كما ملامح توترات أمنية.
وبعد المحاولات المتعددة التي قام بها رئيس الحكومة رجب طيب اردوغان، وعرفت باسم «الانفتاح الكردي»، انهارت هذه المساعي، لأن الأكراد لم يجدوا فيها مبتغاهم في تلبية مطالبهم الأساسية مثل التعليم باللغة الكردية في المدارس والجامعات، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين المتهمين بمساندة «الإرهاب» الكردي، ومنح مناطق جنوب شرقي تركيا المزيد من الصلاحيات لكي تتمتع بما يشبه الحكم الذاتي، وإلغاء نظام حماية القرى، وتفرغ الجيش للدفاع عن الحدود ووقف عملياته العسكرية في الداخل التركي، وتخفيض حاجز الدخول إلى البرلمان من عشرة إلى خمسة أو سبعة في المئة.
وجاءت المفاجأة الكبرى عندما أعلن اردوغان، خلال جولاته الانتخابية، انه لا يوجد في تركيا «قضية كردية» بل مشكلة مواطنين من أصل كردي، الأمر الذي نسف اعترافه بوجود هذه المسألة عام 2005، ما فاقم من الغضب الكردي، خصوصا أن حزب العدالة والتنمية سيذهب إلى إعداد دستور بعد الانتخابات النيابية. ويريد الأكراد أيضا أن يتضمن أي دستور جديد ضمانات دستورية تعترف بالهوية الكردية وتحميها، وهو ما يرفضه حتى الآن اردوغان.
وبما أن المعركة على الصوت الكردي باتت شبه محسومة لمرشحي حزب السلام والديموقراطية الكردي المستقلين ومرشحي القوى الكردية الأخرى المتحالفة في ما بينها، فقد انطلق اردوغان في حملة مضادة، ليس لكسب الصوت الكردي بل لكسب المزيد من الأصوات القومية التركية، من خلال السعي لضرب حزب الحركة القومية وعدم دخوله البرلمان ووراثة أصواته، ما يتيح لحزب العدالة والتنمية أن ينجح بنسبة عالية قد تصل إلى ثلثي عدد مقاعد البرلمان.
هذا التوجه لحزب العدالة والتنمية من أجل نيل ثلثي المقاعد في البرلمان يثير مخاوف الأكراد، ويدفعهم إلى تشديد وتصعيد المعركة السياسية وربما العسكرية مع حكومة اردوغان ومنذ الآن.
وكان من أقوى التحذيرات الكردية ما أطلقته سابقا نائبة رئيس «مؤتمر المجتمع الديموقراطي» آيسيل توغلوق بقولها إن الأكراد سيتخذون قرارهم، وإذا لم يكن ممكنا تأسيس ديموقراطية عبر الدولة فسيؤسس الأكراد ديموقراطيتهم. وأضافت إنها لا تعرف كيف سيكون الوضع في تركيا، هل مثل مصر أم مثل سوريا، لكن الوضع الحالي سيتغير و«أنا مضطرة لأقول إن أشياء سيئة ستحدث».
غير أن التهديد الأكبر جاء على لسان زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان المعتقل في تركيا، الذي أعلن انه إذا لم يحدث تطور ايجابي حتى 15 حزيران فإن تركيا ستشهد أموراً خطيرة. وقال «حتى اليوم أنا لم أحارب. كنت أدير الحرب. ولكن بعد 15 حزيران (المقبل) سأنسحب من هذه المهمة (إدارة الحرب)».
وليس بعيداً عن الاهتمام التركي بالأكراد الاهتمام بالوضع في سوريا، حيث تتكرر التحذيرات التركية اليومية من مغبة وعواقب تأخر دمشق في المبادرة إلى خطوات «صادمة»، حسب تعبير وزير الخارجية أحمد داود أوغلو.
ومنشأ الخوف التركي هو أن المعالجات الأمنية فقط للاحتجاجات في سوريا لن تؤدي إلا إلى تفاقم الأوضاع. وتخشى أنقرة من فوضى وصدامات مذهبية وإتنية في سوريا تنتقل عدواها إلى تركيا. وينظر بعض المراقبين الأتراك إلى أن حكومة حزب العدالة والتنمية ستنتظر الانتخابات النيابية لتتفرغ أكثر إلى إجراءات وقائية على الحدود مع سوريا إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه.
كما لا يستبعد البعض أن تبادر أنقرة أيضاً إلى مواقف «أكثر حزماً» تجاه دمشق تحت وطأة ضغوط أوروبية وأميركية.