كشف وثائق جديدة عن المحكمة نصر اللّه: لن تكون فتنة في لبنان

حسم الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله طريقة تعامل حزبه مع القرار الاتهامي الصادر عن المحكمة الدولية. قال إنه لن يتمكن أحد من توقيف «المقاومين الشرفاء» الواردة أسماؤهم في القرار، «ولو بعد 300 سنة»، ناصحاً قوى 14 آذار بعدم مطالبة الرئيس نجيب ميقاتي بما كان سيعجز عنه الرئيس سعد الحريري

لم يطل صمت حزب الله بعد صدور قرار عن المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري يتّهم أربعة من أفراده بالمشاركة في الجريمة. الأمين العام للحزب، السيد حسن نصر الله، أطلّ أول من أمس ليكشف وثائق وتسجيلات ومعلومات تثبت وجهة نظر الحزب تجاه المحكمة الدولية ولجنة التحقيق في اغتيال الحريري، وخاصة لناحية الصلة بين عدد من العاملين في المحكمة وأجهزة استخبارات غربية.

ودعا نصر الله قوى 14 آذار إلى عدم مطالبة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي بما كانت ستعجز عنه «أي حكومة أخرى»، مؤكداً أنه لن يتمكن أحد من توقيف من ورد ذكرهم في القرار الاتهامي، «ولو بعد 300 سنة».
في بداية كلمته، وصف نصر الله من ورد ذكرهم في القرار الاتهامي بأنّهم مقاومون «لهم تاريخ مشرّف في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي للبنان». أما القرار، فرأى أنه «خطوة في مسار طويل بدأت تتّضح معالمه بعد هزيمة إسرائيل وانتصار المقاومة في حرب تموز. فبعد أيّام قليلة من هذا الانتصار، خرجت جريدة «لوفيغارو»، يوم 19 آب 2006 (بعد خمسة أيام على انتهاء الحرب)، بمقال تتحدث فيه عن أن التحقيق الدولي يسير باتجاه (اتهام) حزب الله أو أفراد وكوادر أو قياديين من حزب الله بجريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري». وربط نصر الله بين هذا الاتهام ونتيجة الحرب، لافتاً إلى أن «هذه المادة كانت جاهزة بانتظار نتيجة الحرب. فحين جاءت نتيجة الحرب مختلفة، أُظهرت هذه المادة أو شهر هذا السيف أو هذا السلاح في وجه هذه المقاومة المنتصرة».
وأعاد نصر الله تأكيد رؤيته للمحكمة الدولية عموماً، ولإنشائها بقرار من مجلس الأمن الدولي خصوصاً، وبالتالي، فإن إلغاءها غير ممكن، وخاصة أن «لها مساراً وأهدافاً تريد أن تحقّقها مهما حصل، ومهما تكن التبعات أو الخسائر أو الأرباح». ومن الأهداف التي ذكرها «تشويه سمعة المقاومة وصورتها وقيادييها ومقاوميها (…) والأخطر والأهم هو إحداث فتنة في لبنان أو حرب أهلية، وخاصة فتنة بين السنّة والشيعة في لبنان».
كلمة نصر الله، أول من أمس، مثّلت في جزء منها امتداداً للمؤتمر الصحافي الذي عقده يوم 9 آب 2010، عندما كشف «بعض» ما عند حزبه من قرائن تشير إلى احتمال أن تكون إسرائيل متورّطة في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وسأل مجدداً عن سبب تغييب الاحتمال الإسرائيلي عن التحقيق، لافتاً إلى أن قانونيين لبنانيين ودوليين أكدوا أن ما عرضه في مؤتمره الصحافي قبل أشهر يمثّل مادة يمكن استخدامها من أجل توجيه اتهام إلى إسرائيل. لكن، أضاف نصر الله، لم يحرّك أحد ساكناً، بل اكتفى مكتب المدعي العام بطلب نسخة من هذه القرائن، «ولاحقاً قالوا هذه غير كافية، مع العلم بأن السيد كاسيزي والسيد بلمار يحاولان الاستناد إلى الأدلة الظرفية» لتوجيه الاتهامات. «طيّب، هذه الأدلة الظرفية التي يتحدث عنها كاسيزي وبلمار، لو أتينا وطبّقناها على القرائن في ما قدمناه في الموضوع الإسرائيلي، لكانت كافية لتوجيه اتهام إلى إسرائيل، ولكن لم يفعلوا. لم يسألوا الإسرائيليين عن أي شيء. لماذا؟ لأن هذه المحكمة منذ أن أُسّست كانت لهدف سياسي واضح، وليس مسموحاً بأن يحقق أحد، لا مع إسرائيل ولا مع الإسرائيليين».
ولفت نصر الله إلى أن التحقيق الدولي، بدلاً من توجيه الأسئلة إلى إسرائيل، «تعاون معلوماتياً مع الإسرائيلي وأخذ منه معلومات. هذا الأمر يعترف به ميليس شخصياً في جواب لصحيفة لوفيغارو وجّهته عام 2005، إذ قال: نعم هناك تعاون معلوماتي مع الإسرائيلي، ونأخذ معلومات من الإسرائيلي. و(وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور) ليبرمان، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الخارجية الإيطالي في شهر تشرين الثاني عام 2010، قال الآتي: إن تعاون إسرائيل مع المجتمع الدولي بخصوص قضية الحريري كان حقاً تعاوناً مفتوحاً، وجرى بكل شفافية وإخلاص».
وكشف نصر الله وثيقة صادرة عن شعبة الضرائب الإسرائيلية تُظهر أن لجنة التحقيق الدولية، بعدما انتقلت موجوداتها إلى عهدة مكتب المدعي العام الدولي عام 2009، نقلت حواسيبها البالغ عددها 97 عبر الأراضي الفلسطينية المحتلة. ثم عرض نصر الله للصلات التي تربط عدداً من موظفي المحكمة الدولية ومسؤولي التحقيق ومستشاري مكتب المدعي العام بالاستخبارات الأميركية، فضلاً عن الصداقة التي تربط رئيس المحكمة، أنطونيو كاسيزي، بإسرائيل.
وقال نصر الله إن «الذين أوكل إليهم أمر اكتشاف الحقيقة هم هذه النوعية من الناس. بعضهم معادٍ (للمقاومة)، وبعضهم له موقف سلبي، وبعضهم قاتل ومتآمر وجاسوس، وأغلبهم أو كلهم مرتبطون بأجهزة استخبارات أميركية»، سائلاً عمّا إذا كان هذا الطاقم «مؤهّلاً أصلاً لأن يعمل على فرضية: إسرائيل اغتالت الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ولو قدمت له قرائن أكثر مما قدمنا خلال العام الماضي».
ووضع الأمين العام لحزب الله توقيت صدور القرار الاتهامي في خانة سياسية مرتبطة باتفاق الأكثرية الجديدة على البيان الوزاري. وعدّد المراحل التي استُخدِمَت فيها معلومات عن صدور القرار لأهداف سياسية لبنانية، منذ نشر تقرير دير شبيغل قبل الانتخابات النيابية عام 2009، ثم بعد إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري بداية العام الجاري، وصولاً إلى قوله «إن القرار صدر ليعطّل الثقة بين البيان الوزاري والثقة، لأنهم كانوا يراهنون على عدم قدرة الأغلبية الجديدة أو على فشل الأغلبية الجديدة في تأليف الحكومة». وبرأيه، جاء هذا القرار الاتهامي «ليعطي السلاح لنواب الفريق الآخر أو للقوى السياسية للفريق الآخر لإسقاط الحكومة. هذا القرار هو طريق السلطة وليس طريقاً للحقيقة ولا طريقاً للعدالة».
وبعد الحديث عن المحكمة، توجه نصر الله إلى الجمهور اللبناني، مؤكداً أن البلاد لن تشهد أي فتنة بين اللبنانيين، وخاصة بين الشيعة والسنّة، على عكس ما يشيعه الإسرائيليون، داعياً اللبنانيين إلى الارتياح. وعبّر عن اعتقاده بأنّ «من جملة العناصر المهمة جداً لوأد أي فتنة وجود حكومة مسؤولة وحكومة موثوقة وحكومة جاهزة لتتعامل بروح وطنية مع حدث بهذا الحجم، لا بروح كيدية ولا بروح انتقام ولا بروح ثأر، وحكومة لم تكن في يوم من الأيام جزءاً من كل هذه الحرب الدائرة منذ ست سنوات على المقاومة في لبنان».
أمّا قوى 14 آذار، فتوجّه إليها بـ«نصيحتين»: «أولاً، لا تحمّلوا حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في هذا الملف ما لا يجوز أن تحمّلوها إياه، وما لم تكن حكومة الرئيس سعد الحريري لتحمله». وطرح سؤالاً عمّا إذا كانت حكومة برئاسة الرئيس سعد الحريري أو الرئيس فؤاد السنيورة قادرة على توقيف من وردت أسماؤهم في القرار الاتهامي، حتى ولو لم تكن حكومة وحدة وطنية وكان متطرّفو 14 آذار يتولون وزارات الداخلية والدفاع والعدل فيها». وأجاب عن هذا السؤال مؤكداً أنها «لن تستطيع أن تفعل ذلك. لذلك لا تحمّلوا حكومة الرئيس ميقاتي ولا تحمّلوا البلد تبعات أمر لو كانت الحكومة حكومتكم وحكومة مُتَطَرِّفِيكم لَمَا أمكنها ذلك». وأكد نصر الله أن حزب الله يعمل «على قاعدة أن لا نحرج الحكومة ولا أن نحرج أحداً. وأعتقد أنه لا بـ30 يوماً ولا بـ60 يوماً ولا بسنة ولا بسنتين ولا بثلاثين سنة ولا بثلائمئة سنة يقدرون على أن يجدوا أو أن يعتقلوا أو أن يوقفوا. فاللعبة كلها، الكبيرة والصغيرة، مفهومة، وبالتالي بعد ثلاثين يوماً ستذهب الأمور إلى المحاكمة الغيابية والحكم «خالص وصادر».
أما النصيحة الثانية الموجهة إلى قوى 14 آذار، فدعاهم فيها ألا يطلبوا من الرئيس نجيب ميقاتي وحكومته ما قبِل الرئيس سعد الحريري «أن يتخلى عنه مقابل البقاء في السلطة». وكشف أن الحريري كان قد وافق على بنود الورقة التركية ـــــ القطرية التي حملها إلى نصر الله رئيس الوزراء القطري ووزير خارجية تركيا «وقالا إنّ هذه الوثيقة وافق عليها الرئيس سعد الحريري وعلى كلّ شيء فيها، (…) وأخبراني بأن قبولنا بهذه الوثيقة سيتبعه توقيع الرؤساء الثلاثة عليها، إضافة إلى الطرف التركي والقطري والسعودي والفرنسي والسوري، حتى إنهما قالا إنّ السيدة كلينتون «ستبارك» هذه الوثيقة بتوقيعها. لكن يومها لم نقبل لحسابات وطنية، وأنا قلت لهم ليس همّي المحكمة. الآن همّي البلد. وأنا باعتقادي، نتيجة أداء وسلوك ورؤية وتقويم، انّ حكومة يرأسها الرئيس سعد الحريري لا تستطيع أن تعبر بالبلد وبأزماته إلى برّ الأمان، ولذلك كان عندنا موقف وذهبنا إلى الخيار الآخر».
وفي ختام كلمته، توجّه نصر الله إلى «جمهور المقاومة» مؤكداً أنها لن تُمسّ بسوء، «وهناك من سيحاول استفزازكم في الأيام والأسابيع المقبلة، وقد تسمعون كلاماً «بلا طعمة» من هنا ومن هناك، لا تصغوا إلى كل هذه الاستفزازات. هم يريدوننا أن نذهب إلى فتنة، وإلى صراع شارع، ونحن حفاظاً على بلدنا وشعبنا وأهلنا والأمن والاستقرار والسلم الأهلي، يجب أن نصبر على أي استفزاز، وإن كان الاستفزاز الأكبر حصل من خلال هذا الظلم الذي لحق بعدد من هؤلاء الإخوة المقاومين الشرفاء».
كشف الأمين العام لحزب اللّه السيّد حسن نصر الله، في خطابه أول من أمس، أن أحد أهمّ المستشارين العاملين لدى المدّعي العام الدولي دانيال بلمار، هو ضباط سابق في وكالة الاستخبارات الأميركية، سي آي إيه، يُدعى روبرت بير. والأخير «شريك في المسؤولية عن مجزرة بئر العبد التي حصلت عام 1985»، والتي استهدفت الراحل السيّد محمد حسين فضل الله، وأدّت إلى استشهاد عشرات المدنيّين في الضاحية الجنوبية لبيروت. وقال نصر اللّه إنّ هذا الرجل كان يلاحق الشهيد عماد مغنية منذ عام 1984، إذ أُحضر إلى لبنان بعد اختطاف مدير محطة «سي آي إيه» وليام باكلي. وقد استمرّ بعمله في وكالة الاستخبارات الأميركيّة حتى عام 1997. ورغم استقالته منها، حافظ على صلته بالوكالة، إلى أن ظهر مستشاراً في مكتب بلمار في المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وبثّ تلفزيون المنار، خلال إلقاء نصر الله خطابه، جزءاً من مقابلة أجراها تلفزيون أبو ظبي مع بير عام 2010، يصف فيه مغنية بـ«الإرهابي»، مؤكداً أنه كان يسعى إلى الوصول إليه خلال عمله في لبنان.
أكد السيد حسن نصر الله أن حزبه لا يمانع تزويد المدعي العام الدولي دانيال بلمار أو رئيس المحكمة أنطونيو كاسيزي بمعطيات تؤكد أن نائب الرئيس الأول للجنة التحقيق الدولية، غيرهارد ليمان، تلقّى رشى مالية باع مقابلها ملفات من التحقيق الدولي، تتضمن شهادات شخصيات سياسية لبنانية. وعرض نصر الله شريطاً مصوّراً سراً يظهر فيه ليمان وهو يتلقّى مبلغاً من المال ثم يتفحّصه قبل أن يضعه في الجيب الداخلي لسترته. وكان نصر الله قد كشف قبل أشهر أن ليمان باع وثائق من التحقيق لشخص لبناني، وسأل أمس عمّا في مقدور ليمان أن يفعله بالحقائق ومعطيات التحقيق إن أعطي أموالاً: «إذا كان ببضع عشرات الآلاف من الدولارات قد أعطى هذا الملف، فماذا سيفعل في التحقيق إذا أعطي مبلغ مليون أو مليونين أو عشرة ملايين دولار؟ وخاصة إذا كان هناك أناس يدفعون 500 مليون دولار لتشويه صورة المقاومة أو الضباط أو سوريا، ويدفعون عشرة ملايين إلى ليمان وميليس وأمثالهما؟ وأكد نصر الله أنه لن يفتح «الملف الأخلاقي» لليمان ورئيسه ديتليف ميليس.
بثّت قناة المنار خلال خطاب السيد حسن نصر الله نبذة عن عدد من العاملين في مكتب المدعي العام دانيال بلمار، تُظهر عدم حياديتهم وارتباطهم بجهات تعادي المقاومة. أبرز هؤلاء الرئيس السابق لفريق التحقيق، الأوسترالي نيك كالداس (الصورة)، الذي تولى إدارة التحقيق بين آذار 2009 وآذار 2010. وبحسب التقرير، فإن كالداس مرتبط بالاستخبارات الأميركية منذ أن أنشأ عام 2004 جهاز استخبارات الشرطة العراقية في ظل الاحتلال الأميركي. أما خلفه البريطاني مايكل تايلور، فكان يعمل بصفة رئيس للاستخبارات في فرقة مكافحة الإرهاب التابعة للشرطة البريطانية، ومتخصص في مكافحة «الإرهاب الإسلامي». وزميله الذي يرأس فريق المحاكمة في مكتب بلمار، الأميركي داريل مانديس، على «علاقة وطيدة بالـ«سي آي إيه» والـ«إف بي آي»، وهو ضابط سابق في البحرية الأميركية بصفة محام عام». يُضاف إلى هؤلاء المستشار القانوني لبلمار، اللبناني ـــــ الفرنسي دريد بشراوي، وهو «أول من نظّر من دون دليل وبنحو مسبق لاتهام سوريا والأجهزة الأمنية اللبنانية ـــــ السورية باغتيال الرئيس الحريري، وله مواقف سياسية سلبية معروفة تجاه حركات المقاومة، وتحديداً حزب الله».
كشف السيد حسن نصر الله في خطابه عن وثيقة صادرة عن رئيس المحكمة الدولية أنطونيو كاسيزي يوم 21 نيسان 2006، «على أثر دعوى مقدمة في محكمة أميركية ضد «ابراهام دختر»، مسؤول الاستخبارات الإسرائيلية ووزير الأمن السابق. «وعلى الرغم من انتقاده لبعض التجاوزات، إلا أنه ينتقدها من باب الحريص والناصح. فيقول مثلاً: ما يميّز إسرائيل ـــــ الدولة الديموقراطية الوحيدة في المنطقة ـــــ عن الدول الأخرى التي هي في المقابل استبدادية وتدوس دوماً حقوق الإنسان، هو اهتمامها الدقيق والشديد بقيم حقوق الإنسان والعدالة». وفي مكان آخر من بيان كاسيزي يتحدّث عن الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزّة، و«هو يستخدم مصطلح الاحتلال، أي يعترف بأن إسرائيل احتلت أرض الغير، ولكنه يرى أنّ هذا الاحتلال أدّى إلى لجوء الفلسطينيّين إلى أعمال إرهابية، ما يعني أنه يصنّف الردّ الفلسطيني على الاحتلال عملاً إرهابياً وليس مقاومة». وسأل نصر الله عمّا إذا كان ممكناً أن يُسلَّم المقاومون إلى محكمة يرأسها شخص ينظر إلى المقاومة بهذه الطريقة. وقد بثّ تلفزيون المنار شريطاً يُظهر أحد أصدقاء كاسيزي وهو يصفه بأنه «صديق كبير لإسرائيل».
قرائن إسرائيل

يوم 9 آب 2010، عقد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله مؤتمراً صحافياً كشف فيه عدداً ممّا وصفه بـ«القرائن» التي تشير إلى احتمال أن تكون الاستخبارات الإسرائيلية هي التي اغتالت الرئيس رفيق الحريري. عرض نصر الله معلومات عن وجود عميل إسرائيلي، هو العميد المتقاعد في الجيش غسان الجد، في مسرح جريمة اغتيال الحريري قبل يوم من تنفيذ العملية. ولفت نصر الله إلى أن أمن المقاومة سلّم معلومات عن الجد إلى الأجهزة الأمنية اللبنانية، إلا أنه غادر لبنان قبل أن يوقفه أحد. كذلك كشف نصر الله عن وجود طائرات استطلاع إسرائيلية وأخرى لإدارة العمليات في الأجواء اللبنانية يوم ارتكاب الجريمة. وكشف حينذاك أحد الأسرار العسكرية للمقاومة، والمتمثلة في تمكّنها من التقاط بثّ طائرات الاستطلاع الإسرائيلية منذ أكثر من 15 عاماً. ولفت نصر الله إلى أن الإسرائيليين يستطلعون بالطائرات كافة الأماكن التي يريدون تنفيذ عمليات فيها، وأن هذه الصور هي التي أسهمت في نصب المقاومة لكمين في منطقة أنصارية عام 1997، مكّنها من إحباط عملية إنزال إسرائيلية وقتل جميع أفراد الكوماندوس، والاحتفاظ بأشلاء لجنود جرى تبادلها مع جثث لمقاومين وأسرى من السجون الإسرائيلية. وبُثّت في المؤتمر الصحافي صور جوية التقطتها الطائرات الإسرائيلية لمناطق سير الرئيس الحريري، ومعظمها بعيد عن مناطق عمل المقاومة، كطريق فقرا وخطَّي سيره المعتادين من مجلس النواب إلى منزله في قريطم، مروراً بالسان جورج والخط البحري أو بشارع بلس. وعرض نصر الله أمثلة عن مناطق أخرى صوّرتها الطائرات الإسرائيلية قبل تنفيذ عمليات اغتيال فيها، كما جرى، على سبيل المثال، قبل اغتيال القيادي في المقاومة علي حسن ديب (أبو حسن سلامة) نهاية تسعينيات القرن الماضي.
وكشف نصر الله أن الاستخبارات الإسرائيلية كانت تريد منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي التسويق لفكرة أن حزب الله يريد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وهو ما اكتشفته المقاومة من خلال أحد العملاء الذين حقّق معهم جهازها الأمني في تلك الفترة، وأقرّ بأنّه أخبر أحد المقرّبين من الحريري بأنّ حزب اللّه يعدّ العدّة لاغتياله. وبثّ نصر الله تسجيلاً مصوّراً لإفادة العميل المذكور.
وطالب نصر الله بإعادة فتح التحقيق مع العملاء الإسرائيليين الذين أوقفتهم الأجهزة الأمنية اللبنانية منذ عام 2006، والذين أقرّوا بأنّهم كانوا يتولّون إدخال فرق تنفيذيّة من الاستخبارات الإسرائيلية إلى الأراضي اللبنانية، وخاصة عن طريق البحر، فضلاً عن نقلهم حقائب كان يسلّمهم إياها مشغّلوهم الإسرائيليون داخل الأراضي اللبنانية. وطالب الأمين العام لحزب الله بإجراء مقارنة بين التواريخ التي سيحددها العملاء وتواريخ عمليات الاغتيال والتفجير التي جرت في لبنان بعد عام 2005.
وبعد المؤتمر الصحافي المذكور، طلب المدعي العام في المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري دانيال بلمار نسخة عن تلك القرائن. وبعدما سلّم حزب الله نسخة إلى المدعي العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا، بعث بها الأخير إلى بلمار، إلا أنه لم يُفتَح أيّ تحقيق جدّي في شأنها.