العبرة من ليبيا: دمشق ليست طرابلس!

اذا سقط معمر القذافي فلا يعني ذلك أن على الأميركيين اعتماد الاستراتيجية ذاتها في سوريا...
توشك الحملة الدولية ضد الزعيم الليبي معمر القذافي على تحقيق انجاز تاريخي: إن الاستخدام المتقن للقوة من جانب الدول الغربية أعطى الثوار الفرصة للقضاء على آفة قديمة العهد. لكن حتى الآن، تقدم تجربة ليبيا، التي تنذر بحكم غير مستقر، نموذجا غير واضح للسياسة الخارجية الأميركية.
استخدام القوة للتصدي للفظائع الداخلية للدول الأخرى يثير تساؤلات عميقة وصعبة عند واضعي السياسة الأميركية. حرصا منها على الاّ تكون بمثابة «شرطة العالم»، ودعما منها لقيم الديموقراطية وحقوق الإنسان، غالبا ما تجد الولايات المتحدة نفسها في مواجهة خيارات محدودة وسيئة. فإما ان تبقى جانبا وتدع الحكام يسيئون معاملة شعوبهم، وإما أن تتدخل معرّضة حياة الأميركيين للخطر فتعزّز الانطباع الدولي بأنه يحق لهذه الدولة ان تحكم الآخرين.
في ليبيا، اختارت إدارة اوباما خيارا وسطا. اذ وفّرت الولايات المتحدة دعما جويا محدودا للثوار الذين كانوا ليُهزموا لولاها. رفضت لعب دور أحادي، بل دعمت جهدا قرره الأوروبيون، أصحاب الحصة الأكبر في استقرار ليبيا. وعلى الرغم من مؤشرات زحف المهمة باتجاه تعميق التورط في الحرب الأهلية في ليبيا، قاومت الولايات المتحدة إلى حد كبير تلك الإغراءات: لم تطأ قدم اي جندي اميركي ارض ليبيا...
ينبغي للنجاح الاّ يولد الرضا عن الذات. فما تسبب بفقدان القذافي السيطرة على البلاد كان ضعف نظامه الأجوف اكثر منه تدخل الغرب. وسيكون من الحماقة أن نفترض أن الحكومات الأخرى، في المنطقة، عرضة للطعن.
في سوريا، على سبيل المثال، تحتفظ حكومة الرئيس بشار الأسد، على الأقل في الوقت الراهن، بدعم من جيش قوي اوصل بالقمع عدد القتلى إلى 2200.
في الأسبوع الماضي، دعا أوباما، بالاشتراك مع حلفاء الولايات المتحدة، الأسد إلى التنحي وفرض عقوبات على النفط السوري والاستثمارات الأميركية في سوريا. وكانت تلك الخطوات حكيمة قياسا لمعايير وخصوصيات هذه الحالة.
قد يرى البعض في انهيار نظام القذافي مثالا على ما يمكن ان يحدث في سوريا. هذا هو الدرس الخاطئ. على العكس، إن نجاح الثوار الليبيين هو تذكير بأن كل أزمة فريدة من نوعها، وأن كلا منها يستدعي تطبيقا دقيقا للنفوذ الأميركي، على صعيد الدفاع عن القيم والمصالح.
للقوة ما يبررها في بعض الأحيان، لكن ينبغي أن يقع الخيار عليها فقط عندما تفشل الوسائل الأخرى: عندما يمكن ان ترسم نهاية صلبة للازمة وعندما تكون فعالة في تأمين نتائجها.