فجر اعتقال الشرطة الإسرائيلية قبل أيام 22 من أعضاء فرق التحقيق الخاصة فضيحة داخلية ذات أبعاد دولية. فقد تبين أن هؤلاء المحققين كانوا يتاجرون ويستخدمون برنامجا للتجسس على أجهزة الهاتف الخليوي يسمح لهم من أي مكان بالاطلاع ليس فقط على مكالمات أو مراسلات حامل الجهاز، وإنما أيضا على مكان وجوده وتنقلاته. وفي عالم «القرية الكونية» التي تحتل فيها إسرائيل مكانة متقدمة على صعيد تكنولوجيا الاتصالات فإن الأمر يعني كل من يحمل جهاز هاتف خليوي ذكي، وخصوصا ما يعمل بأنظمة الجيل الثالث.
وهكذا فإن أجهزة الهاتف الخليوي التي تطورت وغدت وسيلة للتراسل الألكتروني ولتصفح الانترنت ولمشاهدة التلفاز بل والتعرف أيضا على الطرقات من خلال برامج التوجيه سهلت الأمر على من يريد لعب دور «الأخ الأكبر» ومراقبة كل سلوكك وتصرفاتك. وإذا كانت وسائل الإعلام قد أفادت قبل شهور بأن أجهزة «آي فون» والأجهزة العاملة على نظام «أندرويد» ترسل إلى موقع ما معلومات عن كل استخداماتك للهاتف وحركاتك، فإن الجديد في الأمر أنه، وباستخدام برنامج يجري بيعه على
شبكة الانترنت K يمكن لكل شخص تقريبا أن يحظى بمعلومات كهذه عمن يريد. فأجهزة الهاتف التي تعمل بنظام الجيل الثالث يمكنها ببساطة، بفضل برامج متوفرة، أن تغدو أجهزة تجسس عليك لحساب من يريد.
وقد اعتقلت الشرطة الإسرائيلية الأسبوع الماضي 22 محققا خاصا وأصحاب محلات لبيع البرامج الألكترونية بتهمة تسويق ثلاثة أنواع من برامج التجسس الهاتفي. وثمة اعتقاد في إسرائيل بأن المئات من الناس العاديين باتوا ضحية لهذه البرامج التي تخدم في تعقب أناس لأغراض أمنية أو سياسية أو تجارية أو حتى عاطفية.
وكانت الفضيحة أيضا أن أحد المعتقلين اعترف بأن ديوان رئاسة الحكومة الإسرائيلية اشترى البرنامج ربما للتجسس (خارج القانون) على أصدقاء وخصوم على حد سواء. ومعروف أن جهازي «الشاباك» و«الموساد» يتبعان لرئاسة الحكومة. كما أن التحقيقات دلت على أن الشرطة الإسرائيلية نفسها أبدت اهتماما بهذه البرامج التي تباع في إسرائيل وفي أرجاء العالم عبر مواقع انترنت خاصة. وأشار أحد المحققين إلى أن سعر البرنامج الواحد في إسرائيل يصل إلى حدود 8 آلاف شيكل (أكثر من ألفي دولار).
وبالرغم من أن الحديث عن وجود مثل هذه البرامج كان معروفا منذ عامين على الأقل إلا أن الناس كانت تعتقد أن استخدامها محصور بأجهزة أمنية. غير أن ما ظهر في إسرائيل هو انتقال هذه البرامج من الشيوع الرسمي إلى الشيوع الفردي، إذ بات بوسع الأفراد شراء هذه البرامج ومراقبة من يريد عبر استخدام جهاز هاتف وحاسوب.
ويتيح الهاتف إرسال رسالة نصية بريئة للجهاز المراد مراقبته تحمل أيضا برنامج التجسس المستتر. وما أن يفتح الشخص المعني الرسالة حتى يغدو «عبدا» لمرسل البرنامج الذي يطلع عبر جهاز حاسوبه على كل مراسلات هذا الشخص من بريد ألكتروني ورسائل نصية وحتى رسائل عبر برامج تحادث أخرى فضلا عن التنصت على مكالماته.
وإضافة لكل ذلك إذا كان الشخص المعني يستخدم برامج توجيه (GPS) فإن بوسع مالك برنامج التجسس معرفة كل تنقلات حامل الجهاز وأماكن تواجده. وبوسع المتحكم في البرنامج السيطرة على جهاز الهاتف المعني وفتحه لتسجيل ليس المكالمات فقط، وإنما ما يدور في مكان تواجد الجهاز واستخدام كاميرته للمراقبة وقتما شاء. ويوضع البرنامج في الجهاز بحيث لا يتغير من واقع الأمر شيء إذا قام صاحب الجهاز بتغيير شريحة الهاتف.
ولكن البرنامج يمكن إدخاله إلى أجهزة الهاتف أيضا عبر وسيلتين إضافيتين: حوانيت إصلاح الهواتف الخليوية حيث يوضع البرنامج من دون علم صاحب الجهاز، وعبر الإغراء بدخول موقع ما على شبكة الانترنت من الجهاز.
وتشير تحقيقات الشرطة الإسرائيلية إلى أن برامج التجسس هذه تعمل في كل أنواع الهواتف الخليوية وأن التقديرات تتجه إلى أن مطوري البرامج في الصين ابتكروها بهدف تحويل كل جهاز هاتف في العالم إلى جهاز تنصت. ويسمح البرنامج، إذا كان المفعل مشغولا، بتسجيل المكالمات وإرسالها إلى بريده الألكتروني للإطلاع عليها لاحقا.
وفي العموم فإن برامج التجسس هذه تسمى «سباي فون» وهي عمليا نوع من «حصان طروادة» يتم إدخاله لجهاز الهاتف لترسل لمشغل البرنامج المعلومات التي يريد.
ويوصي خبراء الحماية البرنامجية الناس بعدم فتح رسائل نصية أو مواقع ألكترونية تصلهم من أرقام لا يعرفونها. ويشددون على ضرورة عدم ترك الهاتف مع آخرين أو السماح لهم بإنزال برامج على الجهاز. ولكن بعضهم يصل إلى حد التوصية بعدم استخدام أجهزة الهاتف التي تعمل بأنظمة الجيل الثالث. فمن الصعب جدا معرفة أن الجهاز المعين يحتوي على برنامج تجسس لأن هذه البرامج حال تحميلها تخفي آثارها ولا تظهر أبدا في أي من ملفات الجهاز. ويصعب أيضا معرفة أن الجهاز مصاب لأن هذه البرامج ترسل المعلومات عبر الشبكة الألكترونية من دون تكلفة إضافية. ويرى الخبراء أن الوسيلة الوحيدة لإزالة برامج كهذه إن وجدت في جهاز يتم عبر مسح كل ما على الجهاز من معلومات (FORMAT) بشكل كامل.