فرنسـا والمبحـوح: اسـتيضاح إسـرائيـل بخجـل عبـر الفاكـس!

لا يحسد برنار فاليرو على وظيفته: التحدث بما يجول في خاطر وزارة الخارجية الفرنسية إزاء إسرائيل. ذلك أن مجرد البوح بموقف فرنسي، كائنا ما كان هذا الموقف، على استخدام الموساد كما تصر السلطات الإماراتية جواز سفر فرنسيا في عملية اغتيال محمود المبحوح، أضحى عملا يتطلب ارتداء قفازات سميكة جدا، لتلافي وقوع مأساة بين باريس وتل أبيب، أو تعريض مشاعر الإسرائيليين للأذى.
والمتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية، بتوجيهات أعلى من الكي دورسيه، تجاهل قدر المستطاع الخوض في القضية، وبدأ الكلام الدبلوماسي بصد أي استجواب صحافي، من خلال التمسك بعدم تلقي أي طلب تعاون قضائي من دبي، وأن الجواز الفرنسي لا يعني هوية فرنسية لحامله، والتحليق عاليا فوق قول قائد شرطة الإمارات ضاحي خلفان، إن الجواز حقيقي وليس مزورا.
وراوحت الخارجية الفرنسية في موقف الحد الأدنى، واعتبار نفسها غير معنية بما يجري، «وأنها تنتظر نتائج التحقيق»، فيما كانت بريطانيا وأيرلندا، ترفعان من حدة اللهجة تجاه إسرائيل، وتستدعيان السفراء الإسرائيليين، وتعلو المطالبة في مجلس العموم بتشكيل لجنة تحقيق في استخدام الموساد جوازات سفر بريطانية. وبينما ألقيت أعباء التعليق على الحدث في باريس على الموظف فاليرو، وصمت برنار كوشنير عن الكلام، تولى الرد في بريطانيا وزير الخارجية ديفيد ميليباند، وفي إيرلندا مارتن مايكل، وأعلنا تباعا استدعاء السفير الاسرائيلي لطرح أسئلة مباشرة وطلب توضيحات.
وأشجع ما ذهب اليه الموقف الفرنسي في صياغته الأخيرة، هو طلب توضيحات من السفارة الإسرائيلية «بالفاكس»، من دون أن يجرؤ أحد على استدعاء السفير الإسرائيلي للاستماع إليه مباشرة، أو حتى الاتصال به، وهو عمل يتطلب بلوغ التوتر بين اسرائيل وفرنسا، منعطفات خطرة.
وقال فاليرو بعد ذلك «نطلب من السفارة الإسرائيلية في باريس تفسيرات حول ظروف استخدام جواز سفر فرنسي مزور في عملية اغتيال عضو في حماس في دبي». ومساء، بعثت السفارة الإسرائيلية في باريس، بالقائم بأعمالها، إلى الكي دورسيه، ردا على الطلب الفرنسي .
وساجل فاليرو، مرة أخرى، مع ضاحي خلفان، وقائع التحقيق الإماراتي. ولم يطل انتظار نتائجه أكثر من ساعات، ليبادر إلى التصريح «إننا على اتصال متواصل مع سلطات دبي للإطلاع على تقدم التحقيق، ونتعاون معها، وإن ما بحوزتنا من عناصر قادتنا إلى الاستنتاج أن الجواز مزور». أما خلفان فأكد مرارا أن الجواز حقيقي، وإن يكن منتحله عميلا للموساد .
والأرجح أن باريس قد دفعت دفعا إلى تغيير مقاربتها، بعدما وجدت نفسها معزولة في قافلة الاحتجاج الأوروبي خلف بريطانيا وايرلندا والنمسا، باستثناء ألمانيا التي لم ترفع عقيرتها يوما، بأي احتجاج ضد تل أبيب، وهذا دأبها تاريخيا، بسبب بحة مزمنة في حنجرة الضمير الألماني، المعذب بالمحرقة اليهودية.
كما أن الاستمرار بتجاهل الجواز الفرنسي أضحى مكلفا، ويعرض باريس لانتقادات وشكوك، خصوصا أن التحقيق الإماراتي كشف عن لعب حامل الجواز الفرنسي، بيتر إيليفنجر، الدور الرئيسي في عملية اغتيال المبحوح.
ومن جانب آخر، ومنعا لأي تأويلات، فقد قامت الخارجية الفرنسية، بحسب حماس، بإبلاغها أن لا علاقة لأي مواطن فرنسي بعملية اغتيال المبحوح .
وتقول مصادر أمنية فرنسية إن لجوء عملاء الموساد إلى استخدام جوازات سفر أوروبية في عملياتهم الخارجية، سر شائع. وسبق للموساد أن استخدم بطاقة هوية فرنسية لتغطية العميل الإسرائيلي الذي قام في العام 1995، في مالطا، باغتيال فتحي الشقاقي، زعيم الجهاد الإسلامي. ويميل خبير أمني فرنسي إلى القول بأن جواز السفر الفرنسي في دبي حقيقي، وليس مزورا، بخلاف ما يقوله الكي دورسيه.
وقال المصدر الأمني إن جوازات سفر فرنسية كانت قد سرقت في الماضي في فرنسا، ومن المحتمل أن تكون قد وقعت بيد الموساد. واستبعد المصدر ان يكون الجواز الفرنسي قد سرق من سائح فرنسي في تل أبيب، لاحتمال وجود ختم إسرائيلي على صفحاته يمنع استخدامه للدخول إلى بلدان عربية. وكانت الاستخبارات الأميركية قد عبرت عن قلقها من ذلك لدى الأجهزة الفرنسية.
ولا يتوقع المصدر الأمني الفرنسي أن تؤدي الاحتجاجات على استخدام الموساد جوازات أوروبية، إلى إحداث أي تغيير في العمليات الإسرائيلية الخارجية. وذكر أن ما يهم الموساد هو النتائج التي تحققها وبأي وسيلة، ولم يتردد باغتيال المسؤول الأمني الفلسطيني عاطف بسيسو في باريس في العام 1992 في الشارع وفي وضح النهار، من دون أن يعبأ بأي احتجاج فرنسي، بعد ذلك.