الحاجة دفعتها لهذه المهنة ..جمع القمامة "عار" يخفيه النقاب

بكل بساطة يستطيع المتجول في شوارع محافظة السادس من أكتوبر أن يلاحظ أن أكثر من 90 % من عمال النظافة المنتشرين في كل مكان وسط شمس الصباح الحارقة من العمالة النسائية ، والأغرب أن جميعهن يختبئن وراء النقاب ولا تظهر منهن سوي عيونهن التي تخفي ورائها قصص ومآسي.

هؤلاء النساء لسن منتقبات أو لسن مرفهات يحمين صدورهن من رائحة الأتربة والقمامة ، لكن لأسباب أخري جعلت اختيارهن للعمل في محافظة 6 أكتوبر خياراً مثالياً بعيداً عن زحام القاهرة الذي يعرضهن للقيل والقال ، وكل عاملة تمتهن هذه المهنة الصعبة تحت ظروف مناخية صعبة وخاصة في فصل الصيف ، دفعتها الحاجة والظروف المعيشية السيئة إلى جمع القمامة ، فمنهن من تعول أسرة بمفردها بسبب مرض زوجها أو دخوله السجن أو عاطل ، وكل واحدة منهن تحمل ورائها أسباب قوية وقهرية دفعتها إلى العمل كعاملة نظافة.

وسرعان ما كشفت "ف. م" والتي اختارت هانم أسماً لها النقاب عن وجهها ، وكأنها وجدت قشة تتعلق بها ، وبدأت تعبر عما ما يجيش في صدرها وما تحمله جوانحها من هموم ، وبدأت حديثها : الحاجة إلى القرش هي التي دفعتني لجمع القمامة ، أحمل على عاتقي العديد من الالتزامات يجب أن أقوم بها شهرياً ، لدي 5 أولاد ، 3 منهم فى المدارس ، وخرج 2 من التعليم أملاً فى البحث عن عمل ومساعدتي فى مصاريف البيت ، وزوجي لا يعمل نظراً لظروفه الصحية ، حيث أجري له الأطباء أكثر من عملية في الغضروف وهو الآن طريح الفراش لا يقدر على الحركة أو المشي ، وأنا التي أتولي كافة مصاريف البيت ولي أولاد في المدارس وخرج 2 منهم من التعليم .

وبمنتهي الحسرة تقول "هانم" أن أسوأ مهنة ممكن أن تمتهنها المرأة هي مهنة جمع القمامة ، ما أسوأ أن تقومي طوال اليوم بجمع القمامة من الشوارع من الساعة 8 صباحاً : الرابعة عصراً ، واستنشاق الروائح الكريهة ناهيك عن جثث الكلاب والفئران الميتة التى نقابلها يومياً ، كل هذا بمرتب زهيد لا يكفي "العيش الحاف" ، مرتبنا من المحافظة 600 جنيه لا نتقاضى منهم سوى 400 جنيه بعد خصم تكاليف الأتوبيس الخاص بنقلنا يومياً ، وبدل النظافة والأدوات !
"هانم" أكدت أن ارتدائها هي وزميلاتها للنقاب يأتي خشية أن يراها أحد من البلد ويفضح أمرها ،تقول : أنا من "الشرقية" وإذا علمت عائلتي بعملي في جمع القمامة "عندنا عيبة كبيرة " ، لذا اضطر إلى الكذب عليهم بأني أعمل بأحد شركات الملابس بمدينة نصر ، وكانوا دائماً يسألوني عن سر لوني الذي أصبح شديد الاسمرار ، وأتحجج لهم بأي حجة ، إلى أن لجئت إلى ارتداء "الجوانتى" و"النقاب" لتفادي حروق الشمس من جهة، وحتى لا يراني أحد ويتعرف علي من جهة أخرى ، أما أولادي فيشعرون بالعار ولديهم رهبة من افتضاح هذا الأمر أو يراني أحد من أصدقائهم ، ودائماً يقولون لي "حرام عليكي هتفضحينا" ولكن ماذا أفعل وهذا هو العمل المتاح الوحيد ، وأنا لا أقوي على خدمة البيوت .
أما "أم إسلام" فأسباب نزولها لهذا العمل لا تختلف كثيراً عن "هانم" ، فهي أيضاً لديها خمس أولاد ، وعاجزة عن زواج ابنتها الكبرى التى لا تعلم أن أمها تعمل "عاملة نظافة" ، لأنها تخفي على أسرتها طبيعة عملها التي تخجل منه وتعمل به تحت ضغط الحاجة ، أما زوجها فهو كما قالت "ارزقي على باب الله " يوم "عامل" خرسانة، وأيام أخرى بلا عمل ، وكل ما تحلم به إصلاح أوضاعها المادية ، وزيادة راتبها كي تستطيع شراء جزء من جهاز ابنتها الكبرى ، وتساءلت : كيف أحقق ذلك وأشتري غسالة أو بوتاجاز بـ13 جنيه دخلي في اليوم ، وفى الوقت نفسه هذا العمل يأخذ كل طاقتي ، أذهب إلى بيتي في الخامسة مساءاً ولا أقوي على عمل أي شئ آخر من تعب وإرهاق العمل ،فكل واحد منا مكلف بكنس شوارع معينة يومياً وتمر دوريات المحافظة باستمرار للتأكد من سير العمل ، العمل لا يرحم ولا يوجد لدينا وقت للراحة ، وإذا تم ضبط أحد يجلس أو يستريح على الرصيف "يروحوه أو يخصموا يوميته ".

عم أحمد جاء هو الآخر مسرعاً ليضع همه بجانب زميلات المهنة ، يعول 5 أولاد ومصاب بدوالي الساقين بسبب مهنته التي تتطلب الوقوف بلا رحمة طوال ساعات العمل فى الشمس الحارقة ، ولا يستطيع سد نفقات أسرته بـ400 جنيه في الشهر ، ويشكو من قلة الراتب الذي لا يكفي تعليم أولاده في المدارس أو أخد مجموعات تقوية .

وبالرغم من قلة الدخل ينظر عم أحمد للأمر بعين من الرضا ، قائلاً : "الحمد لله .. البركة هى اللي مخليانا عايشيين مستورين" الخير فى البركة ، وقارن حاله بحال عمال المقاهي الذين ينتظرون رزقهم يوم بيوم ، ويخرجون يوم للعمل وعشر لا ، مشيراً إلى أنه فى نعمة مقارنة بغيره ، ولكنه يتمنى إصلاح الأحوال لأن دوام الحال من المحال" وأضاف : أولادي لا يعلمون طبيعة عملي ، أقول لهم أني "جنيني" بحدائق 15 مايو ، وإذا علم أولادي بذلك سيمنعونني عن العمل خوفا من الفضيحة ، وسوف يقولون "بلاها أحسن يا عم الحج".

» الحاجة "مسرّة"- مائة عام من العمر وتضع اسمها في سجل الناخبين
» المفكر الإسلامي كمال أبو المجد: "الفقر" وراء انتشار النقاب في مصر والعالم العربي
» صواريخ "سكود" أيضاً وأيضاً: واشنطن "تصعّد".. دمشق "لا تخشى أحداً".. وحزب الله يرفض "الوصاية السافرة"!
» بماذا ردت "حماس" على ترحيب "فتح" بتصريحاتها حول "الصواريخ" ؟
» "أدوبي" تختبر برنامج "فلاش على هواتف "أندرويد"