المحرر السياسي: يا ناس.. اتقوا الله..

كتب المحرر السياسي لوكالة 'وفا'

تعود البعض دائما على أخذ ما تقوله وسائل الإعلام الإسرائيلية على أنه من المسلمات التي لا تناقش ولا تخضع للسؤال، وبخاصة عندما تكون المعلومات التي تنقلها وسائل الإعلام هذه مليئة بالانتقادات والتهجمات على السلطة الوطنية الفلسطينية ورموزها، ولا نكلف أنفسنا مجرد البحث أو التحري أو التمحيص، ولا نسأل أنفسنا ماذا وراء هذه المعلومات والأخبار، وما هو القصد من نشرها على نطاق واسع، ثم نكتشف بالصدفة البحتة أن هذه الأخبار لا أساس لها من الصحة، ومع ذلك نكرر نفس الخطأ مرة تلو الأخرى، ولا نتعلم من تلك الأخطاء التي كثيرا ما تسيء إلينا، بل ربما نصر عليها.

هذا بالضبط ما رَافق قضية 'جولد ستون'، حيث راحت وسائل الإعلام الإسرائيلية تنثر الأخبار الكاذبة هنا وهناك، لتعزز روايتها وتؤكد أفكارها ومراميها وأهدافها.

ومن ضمن تلك الأخبار ما نقلته القناة الأولى الإسرائيلية بأن الحكومة الإسرائيلية قدمت التسهيلات اللازمة لإطلاق شركة 'الوطنية للاتصالات كمبادرة حسن نية تجاه الرئيس محمود عباس لأن ملكية الشركة تعود لولديه (ياسر وطارق)، وانتشر هذا الخبر الكاذب كالنار في الهشيم، وراحت محطة الجزيرة الفضائية تردده صباح مساء، دون أن يفوتها أن تأتي بأولئك المعلقين مدفوعي الأجر من أجل التعليق والإضافة والإفاضة والتحليل وتقديم الشواهد على فساد السلطة وتلاعبها بمصير الشعب ومصالحه مقابل مصالح شخصية وعائلية ضيقة..إلى آخر ما تتضمنه سيمفونية الكذب التي دأبوا على تلويث أسماعنا بأنغامها النشاز وبطبيعة الحال فنحن جاهزون دائما للتصديق والتعليق والغمز واللمز، وربما التبرع بتقديم البراهين القاطعة، والأدلة الساطعة على فساد السلطة، وهنا أيضا لم يتوان رجل مثل الشيخ القرضاوي عن الإدلاء والمساهمة في هذه الحملة الظالمة.. ناسيا أو متناسيا قول الله تعالى: 'يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين'.

وأسقط في يد كل أصحاب النوايا السيئة، والضالعين في بث الإشاعات المغرضة والدعايات المخترعة، عندما أعلن، ومن مدينة رام الله بالذات، أصحاب الشركة القطريون وهم أقرباء الأمير القطري نفسه بأن شركة الوطنية إنما هي ملك لهم، وأنهم هم مديروها ومسؤولوها، وأن ما أعلن عن ملكية أبناء الرئيس إنما هي معلومات لا أساس لها من الصحة بالمطلق.. وخاطب هؤلاء القطريون وسائل الإعلام العربية والدولية، ومع ذلك لم يكلف أحد من منتسبي هذه الوسائل وبالذات الوسائل العربية إياها، لم يكلف خاطره لينفي ما أوغل في نشره على أوسع نطاق من أكاذيب وأراجيف يندى لها الجبين خجلا. إلا أن 'المفترى عليهم' لم يكتفوا بهذا النفي القاطع، وإنما اتجهوا بكل ثقة إلى رأس الأفعى، والمصدر الذي نشر هذه الأخبار، والمنبع الذي تبناها وأعلنها، وهو القناة الأولى الإسرائيلية التي رفضت أن تعترف بأخطائها وخطاياها، ولماذا تعترف ولإسرائيل ولكل وسائلها اليد العليا، وهي التي تزعم أنها لا تخطئ ولا تقبل التراجع عما قالته بخاصة وأنها تستند إلى مصادر إسرائيلية تعتبرها فوق الشبهات، وتؤكد على أنها صادقة كل الصدق فيما تقول!!

لكن هذا التعنت والصلف والغرور الذي أصرت عليه تلك القناة الإسرائيلية دعا أبناء الرئيس 'المفترى عليهم' للتوجه إلى القضاء الإسرائيلي، لعله يقف ولو لمرة واحدة موقف إنصاف وعدل، وأن يقول كلمة حق، واستمر الأخذ والرد والمرافعات والمطالعات والاستماع لأقوال الشهود حتى كان يوم 20– 5 – 2010 حيث أصدرت المحكمة حكما واضحا لا لبس فيه ولا غموض ولا إبهام، وهذا هو نص قرار المحكمة:

'أصدرت المحكمة المركزية (الإسرائيلية) في القدس قرارا بضرورة أن تقوم القناة الأولى الإسرائيلية بالتوضيح والاعتذار من السادة طارق وياسر عباس، عن ما بثته القناة من ادعاءات لملكيتهما شركة الاتصالات الوطنية.

وتم أمس الخميس نشر الاعتذار والتوضيح في نشرة الساعة التاسعة للأخبار من قبل الصحفية إيالا حاسون.

حيث جاء نص الاعتذار والتوضيح كالتالي: بودي أن أوضح أمرا معينا: في نشرة مباط من تاريخ 31 – 12 – 2007 المتطرقة لتدخل مكتب رئيس الحكومة السابق أولمرت، لمتابعة طلب شركة الاتصالات الوطنية، يمكن الفهم من سؤال حاييم يافين أن أبناء السيد محمود عباس 'أبو مازن'، طارق وياسر عباس، هم أصحاب أسهم في الشركة الوطنية وهذا ليس صحيحا. في حالة فهم الأمور بشكل آخر، وطالما حصل لأي منهم امتعاض نفسي، فإننا نأسف لذلك'. انتهى

وتجدر الإشارة إلى أن ريتشارد فولك المقرر الخاص للجنة حقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة منذ 1967، في مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، كان قد أطلق من على منبر الجزيرة نفس الاتهامات، إلا أنه ما لبث أن تراجع وأرسل رسالة مكتوبة يقر فيها بخطئه وأنه تعرض للتضليل.. وهذا نص رسالته:

'بعد أن قمت بمراجعة السجلات التي تثبت ملكية الشركة الوطنية للاتصالات وتدقيقها، تحقق لي عدم وجود أية بينة تثبت أية علاقة لعائلة رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية ' السيد محمود عباس' وتحديدا أبناءه ياسر وطارق عباس في ملكية الشركة الوطنية للاتصالات، وعلى هذا، فإنني أعتذر عن أي أذى غير مقصود أكون قد سببته لعائلة عباس نتيجة تكراري المزاعم غير الصحيحة التي كنت قد صرحت بها لقناة الجزيرة خاصة أنني زعمت أن وجود علاقة في ملكية الشركة الوطنية للاتصالات من قبل عائلة عباس قد يفسر السبب الذي حذا بالسلطة الفلسطينية في جنيف تأجيل التصويت على تقرير جولد ستون حتى آذار 2010، وإنني أكرر اعتذاري الشديد عن أي أذى أو أضرار غير مقصود أكون قد تسببت بها. التوقيع: ريتشارد فولك في 11 تشرين أول 2009.

والآن أليس من واجب القرضاوي وعزمي بشارة وبلال الحسن ومنير شفيق وباقي أفراد الجوقة المستأجرة التي اعتادت على رفع عقيرتها كلما جاءتها الأوامر.. أما آن الأوان لكي يقول أحدهم أو بعضهم كلمة حق.. بعد أن انجلى الحق وظهر.. أم تأخذهم العزة بالإثم ويصرون على ما سمعوا وقالوا؟؟ يا ناس .. اتقوا الله