القرار الإسرائيلي '1650' القديم الجديد وسياسة إسرائيلية ليست بجديدة

القرار الإسرائيلي '1650' القديم الجديد وسياسة إسرائيلية ليست بجديدة
لم تعَدْ السياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين أو الأرضي الفلسطينية المحتلة بالجديدة أو بالغامضة، فإسرائيل عادة ما تسعى لتحقيق أهدافها ومصالحها القومية عبر سياسة مبرمجة بشكل تدريجي مرحلي وليس مرة واحدة، وتعتمد منهج التسلل وتحقيق الهدف بتكتم وغموض لعدم إثارة ردود فعل قد تعطل تحقيق تلك السياسات الإسرائيلية والتي عادة ما تنتهك الحقوق المشروعه للشعب الفلسطيني، التي تضمنها قرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي.
وقد تصاعدت تلك السياسة الإسرائيلية بشكل بات جلياً بعد عملية السلام الفلسطينية- الإسرائيلية عام 1993، لفرض حقيقة السيطرة الكاملة على الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967 والقدس بشطريها الشرقي والغربي، وتحديد الملامح العامة للدولة الفلسطينية المستقبلية لتبقى محكومة بالشروط الإسرائيلية، قبل الشروع بأي مفاوضات جديدة مع الفلسطينيين حول قضايا الوضع النهائي.

ويمكن للمتابع التحقق من تلك السياسة الإسرائيلية الممنهجة والمتدرجة في قضيتي الاستيطان والقدس. فإسرائيل التي بدأت العمل في مدينة القدس بوتيره بطيئة وحذره، تسير اليوم قدماً بخطى ثابته لتحقيق حلم إسرائيل بالقدس الكبرى كعاصمة موحدة 'شرقية وغربية'، والتي تقتطع أكثر من 20% من مساحة الضفة الغربية. كما لم تخرج عمليات الاستيطان الإسرائيلية في الضفة الغربية عن تلك السياسة الإسرائيلية التدريجية المرحلية المتسللة، فارتفع عدد المستوطنات في الضفة الغربية اليوم إلى 130 بالمئة منذ عام 1993، وزاد عدد المستوطنين من 110.000 مستوطن عام 1993 إلى ما يقارب 300.000 مستوطن في الضفة الغربية وحدها دون القدس حيث يرتفع العدد اليوم إلى أكثر من نصف مليون مستوطن إذا وضعت القدس ضمن الحسابات، حيث تجاوز عدد المستوطنيين المتواجدين حالياً ضمن حدود بلدية القدس الـ250.000 مستوطن، بعد أن كان لا يتعدى 150.000 مستوطن عام 1993. وكلها مناطق يفترض أن تنسحب منها إسرائيل حسب قرارات الشرعية الدولية.

ولم تخرج السياسة الإسرائيلية بضم عدد من المقدسات الإسلامية الواقعة داخل الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967 إلى قائمة التراث اليهودي، إلا لفرض السيطرة والوجود داخل تلك المناطق الفلسطينية ذات الكثافة السكانية العالية وفرض الأمر الواقع بالتواجد والسيطرة الإسرائيلية، في ظل أي تسوية سياسية محتملة، نفس الهدف الذي تسعى إليه إسرائيل بزرع المستوطنات الإسرائيلية في قلب التجمعات الفلسطينية الموجودة داخل الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967، والوضع القائم في مدينة الخليل أكبر مثل على ذلك. كما لا يخرج القرار الإسرائيلي الأخير والذي يحمل الرقم (1650) والصادر بتاريخ 13/9/2009 والذي دخل حيز التنفيذ بتاريخ 13/4/2010 والقاضي بـ'منع المتسللين'، عن تلك السياسة الإسرائيلية المبرجة والهادفة إلى مصادرة حق الفلسطينيين في أرضهم. إلا أن هذا القرار يعد تصعيداً جديداُ ضد السلطة الوطنية!!!

لقد جاء هذا القرار العسكري الإسرائيلي ليعطي الحق لإسرائيل بتنفيذه داخل الأرض الفلسطينية وليس داخل القدس أو المناطق التي لا تخضع لادارة السلطة الفلسطينية، كما جاء هذا القرار ضد السكان المدنيين الفلسطينيين والذين لا يحملون صفة 'المطلوبين'، تلك الصفة التي كانت تعطي الحق لإسرائيل لمطاردتهم داخل حدود أرضي السلطة الفلسطينية، حسب الاتفاق الموقع بين الجانبين. وسع القرار العسكري الجديد من شريحة المطلوبين ضد إسرائيل ليصبح بموجبه شريحة كبيرة من الفلسطينيين المدنيين عرضة للاعتقال أو الابعاد. ويشير هذا القرار صراحةً بأن إسرائيل صاحبه القرار السياسي والأمني الوحيد في أراضي السلطة الوطنية، لأن لها الحق بموجب هذا القرار بتحديد من يتواجد في تلك الأرض، بل وطرد الفلسطينيين عن أرضهم بموجب أوامر عسكرية، ذلك الحق الذي يؤول فقط لصاحب السلطة الفعلي على الأرض، الأمر الذي يعني أنها تمارس سلطاتها كدولة محتلة بشكل صريح بعد صدور هذا القرار، وهو ما عبر عنه صراحةً رئيس الوزراء الفلسطيني (سلام فياض) حينما قال 'إن هذا القرار تكريس وتعميق لسلطة الاحتلال'.

وكان القرار '1650' قد صدرعام 1969 تحت رقم (329) إلا أن جيش الإحتلال الإسرائيلي قام بإعادة تفعيله بإجراء تعديلات جديدة عليه بتاريخ 13/9/2009. وتم الكشف فعلياً عن القرار الجديد المعدل رقم (1650) قبل يومين فقط من نفاذه، رغم أنه انتظر ستة شهور كاملة قبل وصوله إلى مرحلة التنفيذ، كما جاء الكشف عنه بشكل غير رسمي أو إعلان واضح من قبل الحكومة الإسرائيلية، بل أنكرت وزارة الخارجية الإسرائيلية علمها به عندما طلبت الأردن إيضاحات بشأنه، وذلك لكي تضمن الحكومة الإسرائيلية تمريره ثم تنفيذه دون اعتراضات أو ضجة كبيرة، ضمن سياستها المتسللة غير المعلنة.

واعتبر القرار الصادر عام 1969 أن 'المتسلل' هو كل من دخل المنطقة 'المحتلة' بشكل غير قانوني وكان في دولة معادية مثل لبنان وسوريا والأردن ومصر، فجاء تعديل القرارعام 2009 وحدد أن المتسلل هو كل من لا يمتلك موافقة إسرائيلية بالإقامة في أراضي الضفة الغربية المحتلة، بعد أن أصبح من المستحيل اليوم الدخول إلى الأرض الفلسطينية المحتلة بشكل غير قانوني، أي دون إذن أو تصريح من إسرائيل. ومن المعروف أن أغلب الفلسطينيين الذين يدخلون إلى الضفة الغربية سواء من الأردن عبر جسر اللنبي أو من قطاع غزة عبر معبر إيرز يدخلون بتصاريح مرور فقط، تمكن هؤلاء الفلسطينيين من العبور عبر 'إسرائيل'، ولم تطلب الحكومة الإسرائيلية من الفلسطينيين قبل صدور هذا القرار حيازة أي نوع من تصاريح الإقامة. وكان قد أكد (نفى أفيخاي أدرعي) المتحدث باسم جيش الإحتلال الإسرائيلي وجود اتفاق سابق بين السلطة الوطنية الفلسطينية وإسرائيل يسمح ببقاء مَن تواجد في الضفة الغربية من أبناء قطاع غزة وغيرهم من غير سكان الضفة الغربية إلا أن ذلك الاتفاق انتهى عام 2000 على حد قوله، الأمر الذي يعني أن إسرائيل قد اتخذت قراراً عام 2009 بتحديد عدد الفلسطينيين المتواجدين بالضفة الغربية، وتقليص هذا العدد بالشكل الذي يتناسب مع مصالحها. وما يزيد من تعقيد الأمور أن إسرائيل هي من يسيطر على الطرق التي تصل مدن وقرى الضفة الغربية، وتنتشر في العادة نقاط تفتيش وحواجز عسكرية إسرائيلية لفحص وثائق العابرين.

كما أن جيش الاحتلال الإسرائيلي يستطيع إغلاق وتمشيط ومداهمة المناطق الفلسطينية في أي وقت من الأوقات، مما يعرض جميع الفلسطينيين المقصودين بهذا القرار للإحتجاز حتى وإن ظلوا في أماكنهم ولم يتنقلوا عبر مدنهم وقراهم في الضفة الغربية.
وسيتم تطبيق هذا القرار الإسرائيلي على فئات عديدة منها الفلسطينيين القادمين من قطاع غزة بتصاريح دخول، أو الفلسطينيين الذين فقدوا لأي سبب من الأسباب حق الإقامة في الضفة الغربية، ولا يستثني هذا القرار فلسطينيي القدس الشرقية، في حين يستثنى منه حملة الجنسية الإسرائيلية. كما عمل التعديل الجديد للقرار على إدراج الأجانب الذين يدخلون إلى الضفة الغربية دون تصريح من إسرائيل كالأجانب الذين يدخلون للتضامن مع الفلسطينيين، والأجانب المتزوجين من فلسطينيين في الضفة الغربية ولم يحصلوا على هويات فلسطينية، ليجيز بذلك القرار الجديد امكانية تطبيقه على مواطني الدول التي تجمعها بإسرائيل علاقات دبلوماسية، وليس فقط على مواطني الدول المعادية كما كان يشير القرار الصادر عام 1969. فجاء هذا القرار الجديد وخلص إسرائيل من الإزعاج الذي يسببه لها ناشطو السلام الأجانب الذين يتضامنون مع الفلسطينيين بطردهم من المناطق الفلسطينية تحت حجج التصاريح والإقامات.

بموجب هذا القرار سيتحول عشرات الآلاف من الفلسطينيين ذوي الأصول الغزية إلى مجموعة من المتسللين والتعامل معهم كسكان أجانب في وطنهم، ويسلبهم حقهم في اختيار مكان إقامتهم في بلادهم، بل يعرضهم هذا القرار للمحاكمة والسجن لمدة تتراوح بين 3 إلى 7 سنوات، ودفع غرامات مالية كبيرة، أو ترحيلهم ونفيهم إلى قطاع غزة أو إلى خارج حدود وطنهم، بمن في ذلك الغزين الذين ولدوا في الضفة الغربية وأبنائهم حتى وإن كان أحد والديهم من أبناء الضفة الغربية.
وسيمهل الجيش الإسرائيلي حسب هذا القرار الفلسطينيين المنوي طردههم وترحيلهم 72 ساعة، كما ستمنحهم حق الاعتراض خلال ثمانية أيام من صدور قرار الترحيل، أمام لجنة عسكرية تشكلت خصيصاً للنظر والتحقق من مدى وجود 'أسباب إنسانية' تتيح لها منح الاذن للفلسطينيين بالبقاء في بلادهم. وكانت قد اعترضت تسع منظمات حقوقية إسرائيلية على القرار العسكري الإسرائيلي الجديد في رسالة وجهتها إلى وزير الدفاع الإسرائيلي (أيهود باراك) على أساس أنه صيغ بطريقة عامة تسمح نظرياً للجيش الإسرائيلي بتفريغ الضفة الغربية من سكانها الفلسطينيين.

وكانت إسرائيل قد رحلت بالفعل خمسة وثمانين فلسطينياً غزياً إلى قطاع غزة وخارج الأرض الفلسطينية المحتلة خلال العامين السابقين وقبل صدور هذا القرار منهم عشرات الطلاب الذين كانوا يلتحقون بجامعات في الضفة الغربية ضاربة بعرض الحائط بمستقبلهم الدراسي، وعلى اعتبار أن مستقبلهم العلمي لا يندرج تحت 'اعتبارات إنسانية' لدى إسرائيل. كما قام الجيش الإسرائيلي بعد صدور هذا القرار بترحيل شاب من سكان مدينة الخليل إلى غزة دون أن تمنحه حق المثول أمام تلك اللجنة العسكرية، على الرغم أن جميع سكان عائلته يقطنون مدينه الخليل منذ خمسة عشر عاماً وليس له أحد من أقاربه في غزة.

إن إسرائيل بإعادة تعديل وتفعيل هذا القرار القديم الجديد يجعل جميع الفلسطينيين المشمولين بالقرار يعيشون حالة من القلق وعدم الإستقرار في بلادهم، مهددين بفقد وظائفهم أو دراستهم أو حتى عائلاتهم في أي لحظة من اللحظات، ويمنح إسرائيل الفرصة لإبعاد الكثير من الفلسطينيين عن بلادهم.

فإسرائيل التي تسعى ليلا نهارا لاستقدام المهاجرين إلى 'إسرائيل'، وتحارب باستماته من أجل استمرار بناء المستوطنات وتوسيعها، داخل حدود الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967، دون أن تسمح لأي جهة مهما كانت بالتدخل في مخططاتها داخل تلك الأرض المحتلة على اعتبار أنها الورقة التفاوضية القادمة حتى وإن كانت هذه الجهه هي الولايات المتحدة الأميركية حليفتها الكبرى، تسعى اليوم من خلال هذا القرار القديم الجديد إلى إخراج أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين من الضفة الغربية، والسيطرة على عدد الفلسطينيين المتواجدين فيها، لتعطي المبرر بضرورة إبقاء مستوطناتها المنتشرة في الأرض الفلسطينية المحتلة والتي يفترض أن تخليها إسرائيل في ظل أي إتفاق جديد، وذلك حسب قرارات الشرعية الدولية. كما تعمل إسرائيل اليوم بتسارع ملحوظ في القدس والضفة الغربية تحقيقاً لفرض الأمر الواقع وحقائق جديدة يصعب تغيرها عملياً، واضعة الشروط الفعلية للتفاوض على الأرض، ومحددة ملامح ومقومات الدولة الفلسطينية القادمة. يأتي ذلك الاجراء التصعيدي الجديد في ظل محاولات الولايات المتحدة الأمريكية إعادة إحياء العملية السلمية، والتصريحات الأوروبية بضرورة حل القضية الفلسطينية وإعلان الدولة الفلسطينية.

وعلى الرغم من تصريحات وزارة الخارجية الفرنسية بقلق بلادها من قرار إسرائيل، ودعوتها إلى احترام حرية الفلسطينيين في الإقامة أينما شاؤوا، وعلى الرغم أيضاً من دعوة الجامعة العربية في بيانها الصادر عقب اجتماع على مستوى المندوبين الدائمين للدول العربية برفض هذا القرار وعدم التعامل معه أو الإنصياع له، وعلى الرغم كذلك من قرار مجلس الجامعة العربية بتكليف المجموعة العربية باتخاذ الإجراءات اللازمة لعقد جلسة طارئة للجمعية العامة للأمم المتحدة لبحث مخاطر هذا القرار واتخاذ الإجراءات اللازمة لوقفه ولعرضه أمام المحاكم الدولية المختصة، إلا أنه يبقى السؤال الأهم من يستطيع حقاً أن يوقف هذا التصعيد الممنهج والمتنامي بتجبر من قبل إسرائيل؟ إن هذا السؤال يطرح نفسه في ظل التصعيد الإسرائيلي الخطير تجاه الأرض الفلسطينية، وفي ظل تجاهل إسرائيل الصارخ للإرادة الدولية ولنداءات الولايات المتحدة، وللعالم العربي والإسلامي. إن إسرائيل التي لم تتوانى في ضم مقدسات إسلامية إلى قائمة التراث اليهودي ضاربة عرض الحائط بمشاعر جميع مسلمي الأرض، وتعلن أن القدس موحدة عاصمة لدولتها مستهترة بالإرادة الدولية وقرارات الشرعية، وتصر على المضي قدماً بسياسة الإستيطان وتصر على البناء في القدس الشرقية متحدية إرادة ورغبة حليفتها الإستراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية، تجعل الفلسطينيين الغزين المقيمين على أرضهم دون تصريح من قبل دولة الإحتلال ينتظرون بيأس ساعة إبعادهم أو طردهم دون أمل بمعجزة تغير واقع القوة الذي تفرضه إسرائيل، وتجعل جميع الفلسطينيين يفقدون الأمل بالدولة المستقلة الحرة التي حلموا بها يوماً.